8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هذا حلم رفيق الحريري يتحقق..

مرة أخرى، كانت بيروت على عهدها. كانت وفيّة لرفيق الحريري الذي فداها بالدم. كان لبنان وفيّاً لرفيق الحريري. جاء لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، بمسيحييه ومسلميه لحضور الاحتفال بافتتاح جامع محمد الأمين وسط بيروت وليكون شاهداً على أن إرادة الحياة أقوى، وأنّ بيروت ترفض الخضوع وترفض أن تموت. بيروت صمدت في وجه كل أنواع الميليشيات وصمدت في وجه العدو الإسرائيلي في العام 1982، وصمدت في وجه مَنْ استكمل العدوان الإسرائيلي على لبنان عندما احتل وسطها بعد انتهاء حرب صيف العام 2006. بيروت صمدت، وما تزال صامدة، في وجه مَنْ حاول قبل خمسة أشهر فقط إذلال أهلها، كل أهلها، في غزوة السابع من أيار الماضي.
لا يرمز الجامع الذي وضع رفيق الحريري الحجر الأساس له إلى شيء أكثر مما أنه يرمز إلى العيش المشترك الذي عمل من أجله رفيق الحريري وإلى الرغبة في إعادة الحياة إلى لبنان. كان مطلوباً القضاء على لبنان انطلاقاً من القضاء على بيروت. لذلك عملت الميليشيات أول ما عملت في الماضي، وما تزال تعمل، على تهديم وسط بيروت وإفراغه من الحياة.
بيروت لا تنتقم. الكبار لا ينتقمون. بيروت فوق الانتقام وفوق الشماتة. بيروت لكل لبنان ولجميع اللبنانيين. لذلك، عضّ أهلها على الجرح وجاؤوا إلى وسط المدينة متحلين بصفة الاعتدال للاحتفال بتدشين الجامع الذي يرقد إلى جانبه رفيق الحريري. ربما كانت المرة الأولى في تاريخ لبنان الذي يحتفل فيه المسيحيون والمسلمون معاً بافتتاح جامع. ربما حصل ذلك، لأن اللبنانيين يدركون في أعماقهم معنى الحدث وأبعاده. ولعل أكثر ما يدركونه أن من بين الأسباب التي أدت إلى اغتيال رفيق الحريري تعلقه ببيروت وإعادته للحياة إلى قلبها معيداً لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط والعالم.
مَنْ يعود إلى الماضي القريب يكتشف أن بيروت كانت مستهدفة منذ البداية. كانت مستهدفة منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان في العام 1975. هل صدفة أن جيش التحرير الفلسطيني انتقل في مرحلة ما من الأراضي السورية كي يحوّل وسط بيروت إلى خط تماس بين اللبنانيين؟ هل صدفة تكالب الميليشيات، كل الميليشيات، من كل الطوائف والمذاهب على تهديم بيروت ووسط المدينة تحديداً؟ هل صدفة أن تكون إحدى المنظمات الفلسطينية العاملة بأوامر سورية ركزت في العامين 1975 و1976 على تفجير كل فندق من فنادق بيروت على طول الواجهة البحرية للمدينة؟ هل صدفة أن يكون مشروع إعادة إعمار وسط المدينة واجه كل هذه الصعوبات في مرحلة ما بعد التوصل إلى اتفاق الطائف وإنهاء تمرّد ميشال عون وبداية عودة السلم الأهلي إلى لبنان؟ هل صدفة أن معظم الذين اغتيلوا في مرحلة ما بعد استشهاد رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في الرابع عشر من شباط ـ فبراير من العام 2005 كانت لهم علاقة بطريقة أو بأخرى ببيروت وبمشروع إعادة الحياة إلى العاصمة. في مقدم هؤلاء سمير قصير الأخ والحبيب الذي أمضى سنوات يكتب عن بيروت إلى أن صدر كتابه "تاريخ بيروت" وهو كتاب عاشق للمدينة؟ هل صدفة استهداف الأخ والصديق جبران تويني الذي ساهم في انتقال "النهار" إلى وسط بيروت لتكون المؤسسة الصحافية الأولى في لبنان من معالم مشروع الإنماء والإعمار؟ هل صدفة اغتيال جورج حاوي المناضل العربي الذي ارتبط اسمه بنضالات بيروت وعروبة المدينة وانفتاحها ودورها في الدفاع عن قضايا الحق من المحيط إلى الخليج؟ هل صدفة اغتيال وليد عيدو نائب بيروت الذي دافع عن المدينة وأهلها ووقف في وجه الذين أرادوا التطاول على كرامتها وكشفهم؟ بعد كل جريمة ارتكبت واستهدفت اللبنانيين الشرفاء، كان لا بد من التساؤل ما علاقة الضحية ببيروت وصمود بيروت وفكرة العيش المشترك التي يرمز إليها وسط بيروت وشاب مثل الشهيد بيار أمين الجميّل تجاوز كل الحواجز وصار يشعر أنه في بيته أينما حلّ في بيروت..
كان افتتاح جامع محمد الأمين دليلاً على أن بيروت تقاوم وستستمر في المقاومة. كان رفيق الحريري يبتسم ابتسامة الرضا، خصوصاً عندما شاهد سعد الحريري يزيح الستارة عن اللوحة التذكارية عشية الاحتفال الكبير بافتتاح الجامع. تأكد له أن بيروت ستنتصر لأن الخير لا يمكن إلا أن ينتصر. تأكد له أن مشروعه مستمر على الرغم من كل الدماء الزكية والتضحيات التي بُذلت والتي ستُبذل. وأكد له أخيراً أن لبنان بخير وسيكون بخير ما دام هناك عيش مشترك وما دام مسيحيون ومسلمون لبنانيون من كل الطوائف والمذاهب يلتقون تحت سقف جامع في وسط بيروت، قلب المدينة وقلب لبنان. بيروت تستعيد تراثها لا أكثر. تستعيده بفضل رفيق الحريري والشهداء الأبرار الذين استهدفتهم يد الغدر. إنها من الأمكنة القليلة في العالم التي يلتقي فيها أهل المدينة من كل الطوائف والطبقات تحت سقف جامع ملاصق لكنيسة تقرع أجراسها، هذا حلم رفيق الحريري يتحقق!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00