8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إنها خطوة سورية في الاتجاه الصحيح...

يشكل المرسوم الذي اصدره الرئيس السوري بشار الاسد والقاضي باقامة علاقات ديبلوماسية وقنصلية بين سوريا ولبنان وفتح سفارة في بيروت خطوة في الاتجاه الصحيح. انها خطوة في غاية الاهمية، يمكن وصفها بأنها نقطة تحول في العلاقة بين بيروت ودمشق. إنها تعكس الى حد كبير، اقله ظاهرا، وجود رغبة سورية في الطلاق مع الماضي. وحدها الايام ستظهر ما اذا كانت هذه الرغبة حقيقية ام انها مجرد محاولة لكسب الوقت والانحناء امام العاصفة في انتظار ايام افضل. انها ايام قد يظن النظام السوري، على حد تعبير المتشائمين، انه سيستعيد فيها المبادرة وسيعود الى فرض الوصاية على لبنان بطريقة او بأخرى، بطريقة مباشرة او غير مباشرة. والطريقة المباشرة تعني عودته عسكريا وأمنيا الى لبنان عبر بوابة الشمال او بوابة اخرى ذات علاقة بالارهاب، في حين ان الطريقة غير المباشرة تتمثل في توفير الظروف والضغوط الكفيلة بقلب المعادلة الداخلية رأسا على عقب. وهذا يعني بكل بساطة تمكين التابعين للمحور الايراني ـ السوري بدءا من "حزب الله" وانتهاء بأدواته المستأجرة كالنائب ميشال عون تياره وما شابه ذلك، من الحصول على الاكثرية في مجلس النواب نتيجة الانتخابات المقبلة.
خرج الجيش السوري من لبنان الى غير رجعة، على الرغم من ان النظام لا يزال يعتقد ان العودة ليست مستحيلة وأن الظروف يمكن ان تسمح له بذلك نظرا الى ان المجتمع الدولي سيكتشف عاجلا ام اجلا ان لبنان لا يستطيع ان يحكم نفسه بنفسه وان التركيبة اللبنانية غير قابلة للحياة. مثل هذا المنطق لا علاقة له بالمنطق لا اكثر. انه دليل على قصور وميل الى ممارسة عملية هروب الى امام تفاديا لمواجهة الازمة الحقيقية التي اسمها ازمة النظام السوري غير القادر على اتخاذ قرار لا بالحرب ولا بالسلام من اجل استعادة ارضه المحتلة منذ العام 1967. وفي حال يريد الحرب، انما يفعل ذلك عن طريق لبنان واللبنانيين غير مدرك في نهاية المطاف ان لعبته صارت مكشوفة، بل ممجوجة من جهة وانقلبت عليه من جهة اخرى. صارت مكشوفة لان الطفل اللبناني يعرف ان قضية ما يسمى "المقاومة" مفتعلة وذلك منذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000. اما لماذا انقلبت عليه انقلاب السحر على الساحر، فهذا عائد الى كون دمشق اكتشفت اخيرا انها صارت تحت رحمة "حزب الله" في لبنان وان الاطراف الاخرين الذين تعتمد عليهم ليسوا سوى ملحقين بالحزب الايراني والميليشيا التابعة له في احسن الاحوال.
لا يمكن الا افتراض حسن النية لدى النظام السوري. ولذلك يبدو مفيدا متابعة التنسيق الامني بينه وبين السلطات اللبنانية لمعرفة ما اذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى دمشق في مواجهة الارهاب والارهابيين ام ان المسألة مرتبطة بالمتاجرة بالارهاب والارهابيين وممارسة لعبة الابتزاز التي ملّ منها العرب والعالم؟ لا شك ان الامتحان الاساسي سيكون له اسم واحد وحيد هو التزام القرار الرقم 1701. ليس كافيا تمرير عبارة فحواها ان الانتشار العسكري السوري الجديد في المناطق الحدودية المحاذية للبنان، خصوصا في الشمال وقبالة البقاع الغربي، مرتبط بتنفيذ القرار 1701. هذا هو التفسير الذي اعطاه الرئيس السوري للرئيس اللبناني ميشال سليمان. ما يبدو مطلوبا صدور موقف رسمي عن دمشق يعلن بكل صراحة التزام القرار 1701 بكل حذافيره، بما يؤدي الى وقف تدفق السلاح على لبنان، كذلك تسلل الارهاب والارهابيين الى بلاد الارز، بلاد ثورة الارز.
سيعكس التزام القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن رغبة سورية في ترسيم الحدود مع لبنان والتعاطي معه كبلد شقيق من دون اي نوع من العقد. وسيعكس ذلك ايضا وجود رغبة في الانتهاء من قضية مزارع شبعا التي احتلتها اسرائيل في العام 1967 والتي ينطبق عليها القرار 242 الذي لا علاقة للبنان به.
لا يمكن الا الترحيب بإعلان الرئيس الاسد اقامة علاقات ديبلوماسية بين بيروت ودمشق. انه الرئيس السوري الاول الذي يتجرأ على اتخاذ مثل هذه الخطوة. انها خطوة ذات طابع رمزي بامتياز ويمكن ان تكون مقدمة لخطوات اخرى تشير الى وجود تحول ايجابي في الموقف السوري ليس على الصعيد اللبناني فحسب، بل على الصعيد الاقليمي والدولي ايضا. انه تحول يمكن ان تكون له مدلولات في المدى البعيد تصب في اتجاه علاقات طبيعية وأخوية ذات طابع صحي بين السوريين واللبنانيين وبين لبنان وسوريا. كل ما هو مطلوب في هذا الشأن الاقتناع بأن لبنان بلد سيّد حرّ مستقلّ وأن ازدهار دمشق من ازدهار بيروت والعكس صحيح. تبقى قضية المحكمة الدولية التي لم تعد ملك لبنان، بمقدار ما هي ملك المجتمع الدولي. الم يفصل النائب سعد الحريري بين ما هو شخصي وما هو عام في شأن هذه القضية؟ هل يستطيع الذهاب الى ابعد من ذلك في قضية اغتيال والده حيث الجريمة واضحة والمنفذون معروفون؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00