8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين المشروع الإسرائيلي والمشروع الوطني الفلسطيني

عندما يتوجه وفد من "حماس" إلى القاهرة، إنما يذهب إلى العاصمة المصرية من أجل التفاوض مع المسؤولين المصريين من جهة ولطمأنة إسرائيل من جهة أخرى. هدف "حماس" التوصل إلى صيغة تضمن عبرها تكريس "الإمارة الإسلامية" في قطاع غزة والعمل إنطلاقا منها على تعميم التجربة المتخلفة التي تنادي بها لتشمل الضفة الغربية أيضا. من يعتقد أن "حماس" تريد حلاّ يقوم على وجود دولة فلسطينية مستقلة يمكن وصفه بالساذج لا أكثر. "حماس" لا تريد زوال الاحتلال. كلما مرّ يوم تزداد هذه القناعة رسوخا ويتبين أن كل ما تريده "حماس" هو السلطة بهدف تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، تماماً مثلما غيّر "حزب الله" طبيعة جزء لا بأس به من الطائفة الشيعية في لبنان... حيث لا يزال جزء آخر غير مسلح من الطائفة يقاوم بالفعل ويقاوم خصوصاً نشر التخلف الذي يشكل الحليف الأول لإسرائيل في المنطقة. في النهاية أين مشكلة إسرائيل إذا كان "حزب الله" وجه لبنان وواجهته وإطلالته على العالم واذا كانت "حماس" واجهة الشعب الفلسطيني وبوابته إلى العالم؟
لهذا السبب وليس لغيره ترسل "حماس" وفداً إلى القاهرة. كل ما تسعى إليه يتمثل في ترسيخ سلطتها على غزة عن طريق استمرار الهدنة مع إسرائيل. لو كانت "حماس" تريد بالفعل خدمة غزة وأهل غزة والمشروع الوطني الفلسطيني الذي يشمل القطاع والضفة وفلسطينيي الشتات، ما الذي منعها من التصرف بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها اليوم منذ اليوم الأول للإنسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع صيف العام 2005؟ ما الذي كان يمنع "حماس" من إطلاق الصواريخ المضحكة ـ المبكية من غزة؟ ما الذي جعل إطلاق الصواريخ اليوم "عمل خياني"؟ ألم تكن وفرت على غزة الحصار والعذابات اليومية وآلاف القتلى والجرحى؟ ألم تكن ساهمت في تحقيق الهدف الفلسطيني الذي في متناول اليد، أي الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كما كان يقول الشهيد ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ورمز مقاومته ورمز المشروع القابل للحياة الذي إسمه الدولة الفلسطينية؟
ما تمارسه "حماس" حالياً، وهو في واقع الحال استمرار لممارساتها في الماضي، منذ أوجدها إسحق رابين بهدف ضرب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، تشكل تصرفات الحركة أفضل خدمة يمكن أن تُسدى لرافضي التسوية، أي لرافضي خروج الاحتلال. من يعمل من أجل تكريس وجود كيانين فلسطينيين إنما يعمل ضدّ الدولة الفلسطينية. من يعمل من أجل إلغاء السلطة الوطنية الفلسطينية إنما يعمل من أجل المشروع الإسرائيلي القائم على فكرة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. أنه مشروع أرييل شارون الذي دخل في غيبوبة عميقة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات. لكن مشروعه لا يزال حيّا يرزق. المؤسف أن يكون هناك جانب فلسطيني يعمل على تنفيذ رغبات شارون التي يجسدها "الجدار الأمني" الذي يهدف بشكل أساسي من بنائه إبتلاع أجزاء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
كان كلام أيهود أولمرت الأخير عن شروط التسوية بمثابة حدث كبير، بل ضخم، رفض كثيرون استيعاب أهميته. صحيح أن لا مستقبل سياسيا لأولمرت الذي اضطر إلى الإستقالة. لكن الصحيح أيضا أن الرجل فهم اخيراً أن لا حل سياسيا من دون قيام دولة فلسطينية. وهذا يعني في طبيعة الحال إنسحابا إسرائيليا من كل الضفة الغربية "تقريباً" ومن القدس الشرقية. لم يدل أولمرت بهذا الكلام إلى صحيفة إسرائيلية لو لم يتأكد ان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية مرتبط بقيام دولة فلسطينية مستقلة "قابلة للحياة". هل في إستطاعة "حماس" إستغلال هذه الفرصة لتأكيد أن لدى الفلسطينيين مشروعهم الوطني الذي ناضلوا من أجله طوال نصف قرن، أم أن المطلوب منها مرة أخرى لأسباب لاعلاقة لها بالفلسطينيين وقضيتهم عمل كل شيء من أجل سد الأبواب في وجه أي تسوية من أي نوع كان؟
من يريد خدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالذات، ينضم إلى المشروع الوطني الفلسطيني المقبول من المجتمع الدولي، هذا في حال كان مطلوبا محاربة إسرائيل وليس توفير الدعم للاحتلال ولمنطق الاحتلال. من يريد بالفعل خدمة القضية الفلسطينية لا يختلق قضية إسمها قضية انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني في كانون الثاني ـ يناير المقبل. من يختلق مثل هذه القضية ولا يربط الانتخابات الرئاسية بالانتخابات التشريعية، إنما يخدم المشروع الإسرائيلي من حيث يدري أو لا يدري. والأرجح انه يدري. من يسعى إلى الانقضاض على الضفة الغربية مستفيداً من حال الضعف التي تعاني منها "فتح"، يضع نفسه في خدمة المشروع الإسرائيلي.
هناك بكل بساطة مدرستان إسرائيليتان هذه الأيام. تنادي احداهما بالعمل من أجل قيام دولة فلسطينية، على غرار ما نادى به أولمرت بعدما فقد كل أمل في البقاء في السلطة. هذا لا يعني أن اولمرت صار رجلا معقولاً بمقدار ما يعني أنه أدرك اخيراً أن هناك قضية فلسطينية لا يمكن تجاوزها. وهناك مدرسة أخرى ترى أن في استطاعة اسرائيل متابعة سياسة الاحتلال إلى الأبد ما دامت قادرة على حماية "الجدار الأمني". على "حماس" أن تقرر. هل تريد الدولة الفلسطينية المستقلة، أم أنها تراهن على حلفها غير المعلن القائم مع إسرائيل من أجل إلحاق الهزيمة بالسلطة الوطنية؟ الواضح، اقله إلى الآن، أن "حماس" اختارت خدمة المشروع الإسرائيلي. ولهذا السبب، يتفاوض وفدها في القاهرة من أجل ضمان مستقبل الحركة مع إسرائيل عن طريق استمرار الهدنة. هل تريد "حماس" ضمان مستقبلها، أم تريد العمل من أجل المشروع لوطني الفلسطيني... أي الدولة الفلسطينية المستقلة؟ الصورة واضحة. لا تحتاج إلى مزيد من الوضوح والتفسيرات والاجتهادات!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00