8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العودة السورية إلى لبنان صعبة ولكن غير مستحيلة

هل في استطاعة النظام السوري العودة الى لبنان بشكل مباشر كما حصل في العام 1976 بتكليف عربي ودولي وقبول إسرائيلي مشروط؟ السؤال يبدو مطروحا بشكل جدّي في ضوء الاحداث التي شهدها شمال لبنان اخيرا وفي ضوء تصريحات الرئيس بشّار الاسد الواضحة كل الوضوح... وفي ظل غياب القوى الدولية التي ضغطت في الماضي من اجل تأمين الانسحاب السوري من لبنان. هذا الانسحاب الذي لم يتحقق في النهاية الاّ عندما نزل اللبنانيون الى الشارع في اعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأجبروا القوات السورية على الخروج الى ما بعد الحدود.
ما الذي يجعل النظام السوري يفكر في العودة الى لبنان بدل الانصراف الى معالجة اوضاعه الداخلية والاهتمام جديا في كيفية استغلال الثروات والامكانات السورية الكبيرة في مصلحة الشعب السوري؟ هل هي محاولة للهروب الى امام من الاستحقاقات الداخلية؟ ام انها رهان على وهم اسمه الدور الاقليمي لسوريا؟ ام ان الامر يتعلق بعدم القدرة على الذهاب لا الى الحرب ولا الى السلام، فإذا المخرج من الطريق المسدود بلد صغير اسمه لبنان؟ لبنان يعفي الحاكم السوري من التفكير جديا في ان الازمة الحقيقية هي ازمة النظام القائم لا اكثر وأن نظاما يخشى كاتبا مثل ميشيل كيلو او غيره من المثقفين نظام يُخيف بالفعل لكنه لا يبني وطنا ولا مؤسسات لدولة قابلة للحياة مستقبلا.
من يتمعن جيدا في تاريخ العلاقات اللبنانية ـ السورية منذ العام 1970، تاريخ وصول الرئيس الراحل حافظ الاسد الى السلطة، يدرك جيدا ان الهدف الاول للنظام كان وضع اليد على لبنان. امضى النظام خمسة وثلاثين عاما في جهود دؤوبة تصب في السعي الى الامساك بلبنان وضمه. ليس صدفة ان "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" وقعت بين البلدين في الثاني والعشرين من ايار ـ مايو 1991، اي في الذكرى الاولى لتوقيع اتفاق الوحدة بين شطري اليمن. التاريخ يرمز هنا الى الكثير. انه يرمز اوّلا الى الرغبة في تكرار تجربة اليمن بين سوريا ولبنان. ربما نسيت دمشق ان ما حصل في اليمن كان امرا طبيعيا يفرضه منطق التاريخ، خصوصا ان اليمن بلد واحد وأن لا وجود لشعبين فيه. الاهم من ذلك ان الوحدة اليمنية جاءت نتيجة منطقية لانهيار النظام في الجنوب الذي كان صنيعة الاتحاد السوفياتي الذي تفكّك بدوره في اخر العام 1991. اما لبنان، فقد كان دائما كيانا مستقلا وأن اختلفت حدوده بين مرحلة وأخرى قبل ان تستقر على ما هي عليه الآن مع اعلان دولة لبنان الكبير. لبنان ليس كيانا مصطنعا. من يعتبر لبنان كيانا مصطنعا ويريد ضمه، عليه ان يُبقي في ذهنه امرين. الامر الاول ان تفكيك لبنان، وهو ما يسعى اليه النظام السوري حاليا، تمهيدا لابتلاعه، سيعني تفكيك غير دولة في المنطقة. لن تكون سوريا عندئذ بعيدة عن هذا الخطر الداهم، خصوصا بعد الذي حصل في العراق. اما الامر الآخر فهو ان برلين الشرقية انهزمت امام برلين الغربية. العالم يتقدم ويتطور ومن غير الجائز ان ينتصر نظام ستاليني مثل النظام السوري في اي معركة من المعارك التي يظن انه يخوضها من اجل تأكيد انه صاحب دور اقليمي. كل ما يمكن ان يحصل ان سوريا لا تستطيع ان تحقق سوى انتصار واحد يكون نتيجة انتصارين. انه الانتصار على النفس اولا والانتصار للسوريين ثانيا واخيرا عن طريق اصلاحات داخلية في العمق وفي كل الميادين بدءا ببرامج التعليم وانتهاء بالاقتصاد مرورا بالاصلاحات الديموقراطية طبعا...
كان اغتيال رفيق الحريري ثم الاغتيالات والتفجيرات التي شهدها لبنان بما في ذلك افتعال حرب صيف العام 2006 مع إسرائيل لتمكينها من تدمير جزء من البنية التحتية للوطن الصغير اكبر دليل على عمق الازمة التي يمر فيها النظام السوري. لن تخرجه العودة الى لبنان من الازمة، حتى لو كانت عودة موقتة تقتصر على الشمال وعلى وعود بأنه لن يدخل سوى لفترة قصيرة من اجل "عملية تنظيف" تحول دون ان يكون الشمال بؤرة ارهابية و"إمارة اسلامية". مثل هذه العودة ستعود بالكوارث على سوريا ولبنان في آن نظرا الى انها سترتكز على معطيات واهية لا علاقة بتلك التي كانت سائدة في العام 1976. وقتذاك ارتأت الادارة الأميركية ان يدخل الجيش السوري الى لبنان، كل لبنان لـ"وضع اليد على قوات منظمة التحرير" و"منعا لنشوب نزاع اقليمي" على حد تعبير هنري كيسينجر الذي هندس عملية الدخول وأتى لدمشق بالموافقة الإسرائيلية المرفقة بالخطوط الحمر المعروفة. هل يمكن للنظام السوري العودة الى لبنان في العام 2008 بموافقة إسرائيلية فقط، على ان تتولى الدولة العبرية الحصول على الضوء الاخضر الأميركي لاحقا او وضع الأميركيين امام امر واقع؟ من الصعب حصول ذلك، على الرغم من انه ليس امرا مستحيلا. يمكن ان يغرّ دمشق الفراغ القائم في واشنطن حاليا وغرق الأميركيين في الازمة الاقتصادية الداخلية فضلا عن اهتمامهم المطلق بباكستان وإيران والعراق. كذلك في استطاعة النظام السوري الاتكال على سابقة التجربة الروسية في جورجيا. ولكن يبقى ان سوريا ليست روسيا ولبنان ليس جورجيا وأن إسرائيل ليست، الى اشعار اخر، من يقرر السياسة الأميركية في لبنان بغض النظر عن الوضع القائم في واشنطن في هذه الايام.
فوق ذلك كله، لن تنقذ العودة العسكرية الى لبنان النظام السوري من ازمته. لا ينقذه سوى الانصراف الى الداخل والتفكير من الآن، عن طريق السياسة وليس الامن، في كيفية التعاطي مع الاستحقاقات الآتية. على رأس الاستحقاقات المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري والجرائم الاخرى التي ارتكبت في لبنان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00