8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حرب على كل شيء.. ما عدا الإرهاب!

في الذكرى السابعة لهجمات الحادي عشر من أيلول 2001، هناك عودة أميركية إلى أفغانستان. أنها عودة إلى أصل الداء الذي أتسع ليشمل باكستان التي ليس معروفاً الآن، مثلما أنه لم يكن معروفا منذ البداية هل هي شريك في الحرب على الإرهاب أم أنها داعم للإرهاب والإرهابيين؟ يبدو طرح السؤال مشروعاً ما دامت باكستان هي التي صدّرت "طالبان" إلى أفغانستان بعدما لعبت طويلاً بدعم أميركي وغير أميركي دور الحاضنة لـ"المجاهدين" عبر المدارس الدينية فيها التي أنتجت ما بات يسمى لاحقاً "طالبان". إنهم أولئك الذين رعاهم جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني والأجهزة الأميركية في مرحلة الأحتلال السوفياتي لأفغانستان وفي مرحلة ما بعد الانتهاء من الاحتلال. هؤلاء أنفسهم تحولوا لاحقاً إلى إرهابيين يتزعمهم من هم على شاكلة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذين كانا إلى ما قبل فترة قصيرة من هجمات الحادي عشر من أيلول من رموز العالم الحر الذي تصدى للاحتلال السوفياتي في أفغانستان...
في البداية، كانت "طالبان" بمثابة الابن المدلل لدى الأميركيين. كانت، بالنسبة إليهم، الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن في أفغانستان بغض النظر عن الديموقراطية وحقوق الانسان، خصوصاً حقوق المرأة. كانت هذه الاعتبارات مجرد تفاصيل لا تستحق أي نوع من الاهتمام لدى الإدارة الأميركية ما دام التركيز على التخلص من "أمراء الحرب" الأفغان الذين راحوا يتقاتلون في ما بينهم من جهة، وضمان تحول الأراضي الأفغانية إلى ممر آمن لأنابيب النفط المستخرج من أراضي الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي الراحل من دون المرور في الأراضي الروسية من جهة أخرى.
في مرحلة معينة، كانت "طالبان" في أفغانستان مطلباً أميركياً. إلى أن كانت هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 فاكتشف الأميركيون أن أفغانستان تحولت إلى ملجأ آمن لـ"القاعدة" وإرهابها. كان القرار واضحا بالتخلص من نظام "طالبان" من دون البحث في أساس المشكلة، أي في الوضع الباكستاني. استطاع الرئيس الباكستاني برويز مشرّف، الذي استقال قبل أيّام، إقناع الأميركيين وقتذاك بأنه شريك في الحرب على الإرهاب. وما كاد النظام الأفغاني يسقط تحت الضربات الأميركية حتى تحول الاهتمام إلى العراق من منطلق أن المطلوب استكمال الحرب على الإرهاب عن طريق إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط.
يدفع الأميركيون حالياً ثمن هذه السياسة التي جعلتهم يتحولون إلى العراق بطريقة مفاجئة ومن دون مبرر باستثناء اختلاق تهم من نوع امتلاك نظام صدّام حسين اسلحة للدمار الشامل أو أنه على علاقة ما بـ"القاعدة". تبين أن نظام صدّام كان لا بدّ من التخلص منه. كان مفروضاً التخلص منه لأسباب لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل أو بـ"القاعدة". لم يكن هناك ما يبرر الانتقال من أفغانستان إلى العراق قبل الانتهاء من تنظيف أفغانستان نهائيا من "طالبان" وقبل معالجة الوضع الباكستاني. لم يكن طبيعياً انتظار سبع سنوات كاملة كي يعود التركيز على أفغانستان وعلى باكستان بطريقة أو بأخرى. ليس طبيعيا أن تعلن الإدارة الأميركية في السنة 2008 أنها تنوي سحب قوات من العراق وتعزيز قواتها في أفغانستان. ما يحصل حالياً في ذكرى مرور سبع سنوات على هجمات الحادي عشر من ايلول 2001 يدفع إلى طرح السؤال البديهي: لماذا العراق بعد أفغانستان وقبل التأكد من الانتهاء من "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان وقبل التأكد خصوصاً من أن باكستان لم تعد قاعدة خلفية لـ"القاعدة" و"طالبان"؟ هل كانت وعود برويز مشرف بالانضمام إلى الحرب على الإرهاب كافية ليقتنع الأميركيون بأن أفغانستان صارت تحت السيطرة وأن المدارس الدينية في باكستان لم تعد مزارع لتفريخ إرهابيين؟ لا يزال هذا السؤال المحير مطروحاً. بل يمكن وصفه بالسؤال­ اللغز، خصوصاً أن كل ما أدت إليه حرب العراق، أقله إلى إشعار آخر، هو تعزيز الموقع الإقليمي لإيران على كل الصعد وتحولها إلى القوة الأقليمية المهيمنة... وصولاً إلى لبنان. لقد دفع لبنان هو أيضا ثمن تصاعد النفوذ الإيراني ورغبة طهران في أن تكون صاحبة قرار الحرب والسلم في الوطن الصغير ودولة متوسطية على تماس مع إسرائيل تهددها بصواريخ ميليشيا "حزب الله" في حال تعرّضها للبرنامج النووي الإيراني بأي شكل من الأشكال.
كان منطقيا أن تشن الولايات المتحدة مع حلفائها حرباً على أفغانستان وان تسقط النظام في كابول رداً على "غزوتي واشنطن ونيويورك". ما ليس مفهوما إلى الآن، لماذا العراق؟ التفسير الوحيد أن الحرب على الإرهاب كانت غِطاء لأجندة خفية تستهدف القضاء على النظام الاقليمي وإعادة تشكيل الشرق الأوسط استناداً إلى موازين جديدة للقوى. هل مصادفة أن إيران صارت قوة يحسب لها ألف حساب بعد شطب العراق من المعادلة الإقليمية؟ هل مصادفة أن اسرائيل لم تعد راغبة في تسوية من اي نوع كان مع أي طرف عربي، بما في ذلك الطرف الفلسطيني، منذ بدء الحرب الأميركية على الإرهاب التي كان الشهيد ياسر عرفات من ضحاياها؟ إنهما مجرد تساؤلين في سياق محاولة للإجابة عن السؤال ـ اللغز أيّاه وهو لماذا اتجه الأميركي إلى العراق وليس إلى مكان آخر بعد إسقاط نظام "طالبان" في أفغانستان؟ لماذا انتظر سبع سنوات ليكتشف أن هناك مشكلة حقيقية في باكستان وأن لا حلّ في أفغانستان ومع "طالبان" ما دامت باكستان تؤوي إرهابيي "القاعدة" و"طالبان"؟ هل علينا انتظار سبع سنوات أخرى لاكتشاف أن الحرب على الإرهاب كانت حربا على كل شيء ما عدا الإرهاب؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00