8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين تجربة 1975 ـ 1976 ومقاومة 2008

لعلّ أخطر ما في كلام الرئيس السوري بشّار الأسد في القمة الرباعية التي انعقدت أخيراً في دمشق، الايحاءات التي حاول تمريرها. بدا الأسد الابن كأنه يجس نبض المجتمع الدولي ممثلاً بأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي ترأس بلاده القمة الخليجية والرئيس نيكولا ساركوزي الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يلعب بلده دور علبة البريد بين السوري والاسرائيلي. كان يجس النبض في ما يتعلّق بنقاط عدة. أبرز تلك النقاط تقبل المجتمع الدولي لفكرة عودته العسكرية والأمنية المباشرة إلى لبنان من بوابة طرابلس بحجة أن المدينة صارت معقلاً للحركات الدينية المتطرفة التي سماها "السلفية".
ما عناه الرئيس السوري ولم يقله بكل وضوح، أن عاصمة الشمال اللبناني مدينة سورية وأن الأمن السوري يفرض عليه التدخل عسكرياً في حال فشل الجيش اللبناني في فرض الأمن فيها. ما دام الجيش اللبناني لا يمتلك، أقلّه من وجهة نظر الأسد، العديد الكافي للقيام بمثل هذه المهمة، فلن يكون أمام المجتمع الدولي والعرب في مرحلة ما سوى تقبل فكرة العودة العسكرية السورية إلى لبنان من منطلق أن البلد لا يمكن أن يحكم نفسه بنفسه وأن ترك الأمور على ما هي عليه في طرابلس سيؤدي إلى نشوء بؤرة تطرف تستغلها كل التنظيمات الأصولية بمن فيها "القاعدة".
يسعى النظام السوري إلى تعزيز هذا الايحاء وتحويله إلى حقيقة عن طريق تهريب السلاح والمسلحين إلى الأراضي اللبنانية، خصوصاً إلى الشمال من جهة، والخطاب العسكري والسياسي لحليفه الايراني ممثلاً بـ"حزب الله" من جهة أخرى.
لم يمض سوى سنة وشهرين تقريباً على انتصار الجيش اللبناني على عصابة شاكر العبسي الإرهابية السورية التي سيطرت على مخيم نهر البارد في شمال لبنان وسعت في الوقت ذاته إلى أن تكون لها امتدادات في طرابلس وعكار. بعد سنة على الانتصار الذي كلف المؤسسة العسكرية الكثير، يتبين أن معارك صيف العام 2007 في الشمال لم تكن سوى محاولة أخرى لإنهاك الجيش اللبناني وتشتيت قدراته. كانت تتمة لحرب صيف العام 2006 على لبنان.
تكمن مشكلة النظام السوري في أنه لا يريد أن يتعلم من تجارب الماضي القريب. ها هو يحاول إعادة عقارب الساعة إلى خلف وكأن شيئاً لم يحصل في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005. انه يعتقد بكل بساطة، أن ما قام به من تفجيرات واغتيالات وإدخال أسلحة وتشكيل مجموعات حزبية مسلحة تشكل غطاء لـ"حزب الله".. مع إثارة كل أنواع الفتن المذهبية وشق للصف المسيحي عن طريق استخدام الأداة التي اسمها النائب ميشال عون، سيفي بالغرض. يعتقد النظام السوري أن اللبنانيين سيستسلمون وسيطلبون مجدداً عودة قواته كي تتحكم بلبنان واللبنانيين مجدداً وتفرض أمنا مزيفاً على غرار الأمن الذي فرضه النظام الأمني السوري ـ اللبناني طوال عهد أميل لحود الذي انتهى عملياً خريف العام 2004 بارتكاب جريمة التمديد للرئيس اللبناني غصباً عن اللبنانيين والعرب والمجتمع الدولي.
في حال كان مطلوباً تبسيط الأمور، أمكن القول أن النظام السوري يقرأ من كتاب قديم. يقرأ من كتاب مرحلة ما قبل العام 1975، أي من الأحداث التي مهدت للدخول السوري إلى الأراضي اللبنانية بضوء أخضر أميركي من أجل "وضع اليد على قوات منظمة التحرير الفلسطينية" على حد تعبير هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية وقتذاك الذي هندس الدخول العسكري السوري إلى لبنان وأمّن له التغطية الاسرائيلية. قبل الدخول السوري إلى لبنان بحجة حماية المسيحيين، ارتكب النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر مذابح عدة في مناطق لبنانية مختلفة بما في ذلك عكار. كان واضحاً أنه أراد خلق حال من الفوضى في الأراضي اللبنانية من أجل تبرير استدعائه. ما يحدث حالياً نسخة طبق الأصل عن تلك المرحلة مع عودة إلى التركيز على المؤسسة العسكرية وعدم قدرتها على ضبط الوضع في البلد من دون دعم عسكري سوري.
انها لعبة ممجوجة لن تمر على أحد في السنة 2008، لماذا؟ لأن لبنان يقاوم. ذهاب النائب سعد الحريري إلى طرابلس جزء من المقاومة التي تستهدف إظهار الوجه الحقيقي للفيحاء، المدينة اللبنانية العربية ذات التاريخ العريق. كان وقوف أهل طرابلس وأهل الشمال من سنة ومسيحيين عموما مع الجيش وراء الانتصار وفشل المخطط السوري ـ الايراني الذي كان أفضل تعبير عنه أن نهر البارد "خط أحمر". يشكل هذا الموقف من الجيش تعبيرا عن تغيير كبير في المعطيات في لبنان يفترض في النظام السوري أخذه في الاعتبار في حال كان يريد مصلحة لبنان وسوريا والسوريين واللبنانيين.
جزء من المقاومة أيضاً رفض المسيحيين الانقياد لمشيئة نفس مريضة، هي نفس ميشال عون. لهذا السبب، لم تسقط بيروت الشرقية عندما اجتاحت الجحافل المذهبية في السابع من أيار الماضي بيروت الغربية. وجزء من المقاومة رفض الدروز اذلال الجبل. وجزء من المقاومة وجود شخصيات شيعية من مستوى السيد حسين الحسيني والوزير ابراهيم شمس الدين وغيرهما تدرك معنى الهجمة التي يتعرض لها لبنان وأبعادها.
يخطئ من يعتقد أن في الامكان استعادة تجربة 1975 ـ 1976 في السنة 2008. يخطئ من يعتقد أن اللبنانيين لن يقاوموا هذه المرة. كل لبناني يقاوم على طريقته. من أجل سوريا ومن أجل لبنان. من أجل مستقبل أفضل لسوريا ولبنان بعيداً عن عقد الماضي.. وبعيداً خصوصاً عن البقاء في أسر الأوهام.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00