8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السيطرة على غزّة أهم من الدولة المستقلة!

كان مهماً، من الناحية الرمزية، أن تخرق سفينتان عليهما عدد من النشطاء العرب والأوروبيين والأميركيين الحصار الظالم الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. لم تعترض إسرائيل السفينتين من منطلق أن خرقهما للحصار لا يقدم ولا يؤخر وأن المسألة مسألة أيام فقط تعود بعدها "حماس" إلى أرض الواقع وتتذكر أن الحصار مستمر وأن ما هو أهم من الحصار، أقلّه بالنسبة الى الحركة، البقاء في السلطة والسيطرة على غزة. إسرائيل تعرف ما الذي تريده "حماس" جيداً وتعرف خصوصاً كيف الأستفادة من مواقفها من أجل تكريس احتلالها للضفة الغربية أو للجزء الذي تريد أبتلاعه منها، بما في ذلك القدس الشرقية. ما يهم "حماس" هو السلطة ولا شيء غير السلطة التي تسمح لها بالعمل على تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وتطويعه على طريقة ما فعلت "طالبان" في الماضي القريب في أفغانستان. الحصار بالنسبة إلى "حماس" نعمة. تحت غطاء الحصار، تُحكم سيطرتها على غزة.
احتفلت "حماس" بالسفينتين واحتفلت بمن جاؤوا عليهما وراحت تزايد على الدول العربية وعلى جامعة الدول العربية... وكأن هذه الدول وراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل. أكثر من ذلك، تصرف السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المُقال بصفة كونه رئيس دولة وقرر منح الجنسية الفلسطينية لمن أبحر على ظهر السفينتين اللتين لم تعترضهما إسرائيل! نسيت "حماس"، في سياق الأحداث، امراً في غاية الأهمية هو أن الدول العربية ليست وراء ما حلّ بغزة بعد الأنسحاب الإسرائيلي منها صيف العام 2005. كان الانسحاب من جانب واحد. رفضت إسرائيل التنسيق في شأنه مع السلطة الوطنية الفلسطينية. بدا وكأنها على علم أن ميليشيات "حماس" ستسيطر على القطاع الذي كانت تريد التخلص منه بأي ثمن كان. الآن، يتبين لماذا نفّذت إسرائيل الأنسحاب من غزة ولماذا رفضت التفاوض مع السلطة الوطنية ولماذا سهلت في أستمرار وصول السلاح والمال الإيراني "الطاهر" إلى "حماس" وحتى المواد المتفجرة التي تستخدم في صنع الصواريخ أو في العمليات الانتحارية. كانت تلك العمليات هدية من السماء لليمين الإسرائيلي ولأرييل شارون تحديداً. لولا تلك العمليات ولولا الصواريخ التي أطلقت من غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، كان سيتوجب على حكومة أيهود أولمرت التي خلفت حكومة شارون الجلوس إلى طاولة المفاوضات والاعتراف بأن هناك شريكاً فلسطينياً يمكن التوصل معه إلى تسوية تقوم على مبدأ الدولتين المستقلتين. دولة إسرائيل ودولة فلسطين على أرض فلسطين التاريخية...
كانت لدى "حماس" خطة واضحة تستهدف مساعدة إسرائيل في التهرب من أي مفاوضات. استفادت من الدعم الإسرائيلي غير المباشر للتخلص من "فتح" وتنفيذ انقلابها في حزيران من العام 2007. وهذه السنة، تخلصت "حماس" من عائلة حلّس، الفتحاوية في معظمها، والتي اتخذت موقفاً متواطئاً معها إلى حد ما في الماضي. كانت العائلة تشكل آخر جيوب "فتح" في غزة. يبدو جلياً أن "حماس" حققت ما تسعى أليه. الدليل أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني كانت في غاية الصراحة عندما استبعدت قبل أيام التوصل إلى تسوية من أي نوع كان قبل نهاية السنة الحالية. من الواضح أن ليفني، التي ستكون رئيسة الوزراء الشهر المقبل، تراهن بدورها على "حماس" وعلى أن الحركة صارت أسيرة الجندي جلعاد شاليط الذي تحتجزه في غزة منذ ما يزيد على عامين. صارت "حماس" اسيرة الأسير الذي لا يبدو في الحقيقة أن إسرائيل حريصة على حياته.
آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها. بفضل الأنتصارات الوهمية التي حققتها "حماس" على العدو الإسرائيلي، وهي في الحقيقة تحقق أنتصارات يومية على الشعب الفلسطيني عن طريق إذلاله وزيادة عذاباته وتوفير التبريرات لإسرائيل كي تتابع الحصار، بات خيار الدولتين مستبعداً من الأجندة الإسرائيلية، علما أنه السبيل الوحيد لتحقيق سلام معقول ومقبول يعوض عن بعض الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. ما يغذي منطق اليمين الإسرائيلي الرافض لأي تسوية، هو التطرف الفلسطيني الذي تجسده حالياً "حماس" التي باتت تعتبر مجيء السفينتين الآتيتين من قبرص اختراقاً للحصار الإسرائيلي وانتصاراً لها. تكمن مشكلة "حماس" بكل بساطة في أنها لا تريد أن تتعلم من تجارب الماضي القريب الذي عمره سنتان أو ثلاث سنوات بالكاد. لا تريد أن تتعلم مثلاً من تجربة الحكومة الأولى للسيد هنية التي كان فيها الدكتور محمود الزهار، أبرز قياديي الحركة في غزة، وزيراً للخارجية. أعلن الزهار، في أحد الأيام، أنه ذاهب في جولة خليجية... للدخول في حوار مع الأوروبيين. ذهب في جولة خليجية واستطاع مصافحة وزير الخارجية البرتغالي في حفلة استقبال في أبو ظبي. هل هذا هو الحوار مع أوروبا؟ هل نسي الزهار وغيره أن ياسر عرفات كان يُستقبل في البيت الأبيض حتى العام 2000 وأن محمود عباس لا يزال يستقبل في كل العواصم الأوروبية وفي واشنطن نفسها في مستوى رئيس دولة؟ ولكن ما العمل مع حركة ليست حرة في قرارها وتعتبر في الوقت ذاته أن سيطرتها على غزة أهم من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00