8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يمكن منع إسرائيل من الرهان على الوقت؟

لماذا الإصرار الإسرائيلي على كسب الوقت؟ الجواب بكل بساطة أن ليس ما يجبر الدولة العبرية في الظروف الراهنة على قبول تسوية من أي نوع كان، تسوية معقولة ومقبولة تستند الى قرارات الشرعية الدولية. لماذا القبول بمثل هذه التسوية ما دام الشرق الأوسط كله يتغير، وما دام لا وجود لقرار عربي واضح بدعم التسوية والعمل من أجلها. على العكس من ذلك، هناك حال من الشرذمة على الصعيد العربي تجعل إسرائيل الطرف الوحيد المستفيد من عامل الوقت من جهة، ومن السياسة الإيرانية من جهة أخرى، فضلاً بالطبع عن غياب أي جدية لدى الإدارة الأميركية الحالية في العمل على إنهاء النزاع العربي­ الإسرائيلي.
كان لافتاً أن إدارة بوش الأبن لم تتنبه الى ضرورة بذل جهد حقيقي لاتمام تسوية إلا بعدما اقترب موعد خروج الرئيس الأميركي من البيت الأبيض. وإذا كان هناك من يقول إن أحداً لم ينبه الرئيس الأميركي شخصياً الى خطورة الابتعاد عن الملف الفلسطيني­ الإسرائيلي، فإن ذلك ليس صحيحاً. يكفي ما فعله الملك عبدالله الثاني في العامين الماضيين من أجل فلسطين والفلسطينيين وخطابه أمام مجلسي الكونغرس الذي نبه فيه الى أن لا أمن ولا استقرار في المنطقة من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ بقيت كل الوعود الأميركية حبراً على ورق وكلاماً بكلام...
فجأة، استفاق بوش الابن على الشرق الأوسط وعلى النزاع العربي ­ الإسرائيلي والفلسطيني ­ الإسرائيلي. لا يريد إدراك أن ضياع سبع سنوات كان يمكن أن تُبذل خلالها جهود للتقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن تعويضه بجهود ذات طابع عشوائي يبذلها رئيس أميركي يعرف كل من في الشرق الأوسط، خصوصاً في إسرائيل أنه بات على باب قوس أو أدنى من الخروج من البيت الأبيض. المسألة مسألة وقت فقط يعود بعدها بوش الابن الى منزله ويبدأ خليفته عهده بأفكار جديدة يريد أن تكون مرتبطة باسمه وليس باسم سلفه. ما يؤكّد ذلك، أن المرشح الديموقراطي للرئاسة باراك أوباما أبلغ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) في رام الله أخيراً أنه ليس في وارد الانتظار طويلاً قبل أن يبدأ تحركاً جدياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين... في حال انتصر على المرشح الجمهوري جون ماكين في الانتخابات المتوقع أن تجري بعد أربعة أشهر من الآن. كلام أوباما جميل، ولكن هل سيلتزم ما قاله في رام الله في حال وصوله الى البيت الأبيض، أم يبدأ مسلسل التراجعات تفادياً لمواجهة مبكرة مع اللوبي الإسرائيلي؟ بالطبع، إن دولة مثل إسرائيل، تعمل على تكريس الاحتلال على جزء من الضفة الغربية، ستنتظر ما الذي سيفعله أوباما أو ماكين، وما إذا كان أي منهما يمتلك حدّاً أدنى من الجدية حيال الشرق الأوسط قبل أن تقرر أخذ الإدارة الأميركية الجديدة على محمل الجدّ.
ليس الوضع الأميركي وحده الذي يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية المبنية على كسب الوقت. هناك أيضاً قناعة تامة في إسرائيل بأن الفلسطينيين لا يمكن أن يستعيدوا وحدتهم في ظل رغبة "حماس" في الاحتفاظ بقطاع غزة وتحويله الى جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية ... ولكن بفضل ميليشيا سنية! إسرائيل ليست ضد تكريس وجود كيانين فلسطينيين ما دام ذلك يعفيها من المفاوضات الجدّية مع السلطة الوطنية الفلسطينية. أين مشكلة إسرائيل حين يزداد الشرخ عمقاً بين الضفة الغربية وغزة وحين تتهم "حماس" "فتح" بأنها وراء تنفيذ تفجيرات تستهدف عناصر من جناحها العسكري المسمّى "كتائب القسام"، كما حصل أخيراً. أين مشكلة إسرائيل حين توجه "حماس" مثل هذا النوع من الاتهامات الى "فتح" وعندما تفعل كل ما تستطيع لإضعاف السلطة الوطنية؟ هل عملت إسرائيل يوماً شيئاً آخر غير السعي الى إضعاف مؤسسات السلطة الوطنية، خصوصاً منذ العام 2000؟
لم يخدم الوقت العرب يوماً. لم يدرك معظم العرب يوماً قيمة الوقت. الرهان على الوقت كان دائماً ورقة إسرائيلية. مصر أدركت معنى السقوط في لعبة الرهان على الوقت باكراً. دفعها ذلك الى الذهاب الى النهاية في عملية التفاوض بغية الانتهاء من الاحتلال الإسرائيلي لسيناء وآبار النفط والغاز فيها. عرف الأردن في مرحلة معينة أن فرصة التوصل الى اتفاق سلام تعيد له حقوقه في الأرض والمياه قد لا تتكرر فتجاوز لعبة الرهان على الوقت في العام 1994 كي لا يكون تحت رحمة أحد بما في ذلك إسرائيل نفسها. في استطاعة الجانب العربي مواجهة الاستراتيجية الإسرائيلية حالياً عن طريق الإقدام على تحرك جدي يعيد الحياة الى مبادرة السلام التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002. الأكيد أن تسويق المبادرة العربية يحتاج الى جرأة. لم يعد في الإمكان الاكتفاء بطرح المبادرة مجدداً وانتظار رد إسرائيلي قد يأتي أو لا يأتي. لا مفر من استراتيجية جديدة مبنية على منع إسرائيل من متابعة رهانها على الوقت لا أكثر ولا أقل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00