في ضوء الاحداث التي يشهدها قطاع غزة التي شملت الحملة الشعواء التي تشنها "حماس" على "فتح"، يبدو طبيعيا ان يتجه الوضع الداخلي الفلسطيني نحو الاسوأ. وفي حال كان لا بدّ من اعطاء وصف للتطورات الاخيرة في القطاع، يمكن القول ان "حماس" تنفّذ الجزء الثاني من الانقلاب الذي بدأته في حزيران ـ يونيو من العام 2007 عندما استولت على غزة وأحكمت قبضتها عليها مكرسة للمرة الاولى في تاريخ القضية الفلسطينية وجود كيانين لا علاقة لأحدهما بالآخر. حتى في مرحلة ما قبل حرب حزيران 1967 عندما كانت غزة تحت الادارة المصرية والضفة الغربية جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية، كان هناك رابط ما بين فلسطينيي الضفة وفلسطينيي غزة. كانت فلسطين تمثل الرباط، خصوصا ان الالاف من سكان غزة كانوا من فلسطينيي العام 1948 الذين انتقلوا الى القطاع نتيجة النكبة.
بغض النظر عما اذا كان لـ"فتح" علاقة بالانفجار الذي اودى يوم الجمعة، الواقع فيه الخامس والعشرون من تموز الجاري، بخمسة من الجناح العسكري لـ"حماس"، اي كتائب عزالدين القسّام، او ما اذا كان الحادث مرتبطا بصراعات داخلية في "حماس"، كان رد الفعل لافتا. كان رد فعل غير عفوي على الاطلاق، خصوصا بعدما تبين ان حملة الاعتقالات التي شملت العشرات من الفتحاويين، اضافة الى الاحتلال المبرمج لمؤسسات تابعة لجمعيات معينة او مؤسسات رسمية او تلك التي على ارتباط ما بالسلطة الوطنية الفلسطينية، جاءت تنفيذا لخطة مدروسة موضوعة منذ فترة طويلة. في غضون ساعات قليلة وضعت "حماس" يدها على كل المؤسسات في مختلف محافظات القطاع كما اوقفت نحو مئتي قيادي وعنصر من "فتح" بما في ذلك بعض الاشخاص الذين كانوا يعتبرون موالين لها. كانت الحجة المعلنة ان جناحا في "فتح"، بزعامة محمد دحلان، وراء الانفجار الذي قتل العناصر الخمسة في كتائب القسام. هل هاجس محمد دحلان كبير الى حد انه يبرر الحملة العسكرية على غزة، ام ان الخوف الحقيقي من انتفاضة شعبية تكون تتمة لانتفاضة العام الماضي عندما نزل معظم اهل غزة الى الشارع في ذكرى مرور ثلاث سنوات على غياب ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني؟ كان النزول الى الشارع في ذلك اليوم بمثابة استفتاء شعبي يدلّ على مدى رفض المواطن العادي في غزة للسلطة التي تمثلها "حماس" بأجهزتها القمعية وميليشياتها، تلك السلطة التي بزت "فتح" بمراحل في مجال ممارسة الفساد بكل انواعه وأشكاله. صدق من قال ان "فتحنة حماس" حصلت في اسرع بكثير مما يعتقد...
المهم الان، ما الذي يمكن ان يوقف "حماس" عن متابعة حملتها التي يبدو ان هدفها الاول والاخير استكمال سيطرتها على غزة وإخراج "فتح" منها على نحو نهائي والحؤول سلفا دون انتفاضة شعبية جديدة؟ من الواضح ان ليس ما يشير الى ان هناك من في مقدوره وضع حد للمشروع السياسي الذي تسعى "حماس" الى تنفيذه في غزة عبر التذرع بانفجار استهدف عناصرها او التظاهر بأنها تحارب "القاعدة" التي استطاعت التسلل الى غزة بفضلها. الان، صارت "حماس" تعترف بوجود لـ"القاعدة" في غزة بعدما كانت تنفي بشدّة اي كلام يصدر عن اي مسؤول فلسطيني في هذا الشأن، بما في ذلك كلام "أبو مازن". الدليل على قدرة "حماس" على متابعة مشروعها الميوعة التي اظهرتها "فتح" في تعاطيها مع الاحداث الاخيرة في غزة. يتبين كل يوم ان "فتح"، التي لم تستطع عقد مؤتمرها منذ ما يزيد على عقدين، في حال يرثى لها بعدما شاخت قياداتها ولم تعد هذه القيادة على تماس مع القاعدة. الخوف كل الخوف، ان تكون "حماس" في صدد الاعداد منذ الان لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في الشهر الاول من السنة 2009 لدى انتهاء ولاية الرئيس محمود عبّاس.
ما قد يخدم "حماس" في مشروعها الهادف، في حده الادنى، الى تكريس الكيان المستقل لغزة والانطلاق من ذلك، في الحد الاقصى، الى الامساك بالضفة الغربية، الحلف غير المعلن بينها وبين الاحتلال الاسرائيلي. هناك التقاء بين "حماس" والحكومة الاسرائيلية، بوجود ايهود اولمرت او بغيابه، على رفض التسوية المعقولة والمقبولة القائمة على خيار الدولتين المستقلتين. "حماس" لا تريد زوال الاحتلال عن الضفة الغربية بدليل انها قبلت بالتهدئة في غزة بمجرد ان استتب لها الامر فيها.
"حماس" تريد تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس زوال الاحتلال. فجأة صارت الصواريخ التي كانت تطلقها من القطاع "حراما". فجأة صارت تحارب "القاعدة". فجأة صارت "فتح" متهمة بأنها وراء انفجار اودى بمقاتلين من "حماس" وراءه خلافات بين الاجنحة المختلفة في كتائب القسام، على الارجح. لم تعد هناك حاجة الى تحقيق ولا حتى الى اتهام اسرائيل، ما دام المطلوب تصفية حسابات مع "فتح" واستغلال حال الضعف لدى الحركة.
هناك خلافات وصراعات داخل "حماس". هذا واقع، لكن الواقع الآخر يتمثل في ان الحركة تمتلك ايضا مشروعا واضحا وخطيرا لا يتناقض في اي شكل مع المشروع الاسرائيلي الذي يستند الى استراتيجية قائمة على ان لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه. هل هناك افضل من "حماس" لدعم هذه الاستراتيجية؟ في حال شعرت اسرائيل بان "حماس" في حاجة الى تشجيع على السير في مشروعها الى النهاية، ستتوصل معها الى صفقة لتبادل الاسرى في مقابل الجندي المحتجز في غزة منذ حزيران 2006. سترفع اسرائيل من اسهم "حماس" فلسطينيا وعربيا. انها حقا هدية من السماء لضمان استمرار الاحتلال!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.