لا شك أن عملية تبادل الاسرى بين "حزب الله" وإسرائيل كانت انتصارا كبيرا لـ"حزب الله". ما الذي سيفعله بهذا الانتصار وكيف سيوظفه ولمصلحة من؟ هل سيوظفه في مصلحة لبنان أم في مصلحة المحور الايراني ـ السوري وفي مصلحة الحزب الذي أعلن السيد حسن نصرالله الانتماء اليه صراحة ، أي حزب "ولاية الفقيه" الذي مرجعيته في ايران وليس في أي مكان آخر؟
بعد أيام، سيتوجب على لبنان لملمة أموره والدخول في مرحلة ما بعد تبادل الاسرى التي شكلت مناسبة كي يظهر اللبنانيون أنهم راغبون بالفعل في فتح صفحة جديدة في ما بينهم. هل يفتح "حزب الله" صفحة جديدة مع اللبنانيين ويعتذر أول ما يعتذر من أهل بيروت والجبل الذين أساء اليهم؟ هل يمتلك الحزب شجاعة الاقدام على تقديم الاعتذار... ولكن قبل كل ذلك هل يمتلك حرية اتخاذ مثل هذا القرار الشجاع؟
يفترض في الحزب أن يوظف انتصاره الاخير في مصلحة لبنان واللبنانيين بدل أن يكون هذا الانتصار انتصارا آخر على لبنان كما حصل في صيف العام 2006. لا حاجة إلى التبجح بتقرير فينوغراد الاسرائيلي للوصول إلى أن اسرائيل تعترف بأنها خسرت الحرب. نعم خسرت إسرائيل الحرب وقد اعترفت بأن خسائر كبيرة لحقت بها في ضوء البسالة التي أظهرها مقاتلو "حزب الله" كما اعترفت بأنها لم تستطع تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة واضطرت أخيرا إلى قبول القرار الرقم 1701 الذي بدأت تشكو منه الان بلسان وزير دفاعها ايهود باراك. هذا واقع لا بدّ من الاعتراف به. ولكن في المقابل خسر لبنان الكثير جراء الحرب. خسر على الصعيد البشري وخسر على الصعيد الاقتصادي في كل المجالات. يكفي أن الحرب فتحت أبواب الهجرة على مصراعيها ودفعت "حزب الله" إلى توجيه سلاحه إلى صدور اللبنانيين الآخرين على نحو أقل ما يمكن أن يوصف به أنه مكشوف...
الامل كبير بأن تكون صفحة جديدة فتحت بين اللبنانيين. وما يمكن أن يكون في أهمية فتح مثل هذه الصفحة اقتناع "حزب الله"، الذي يقود ما يسمى المعارضة ويستخدمها بما يلائمه بعدما استهدى على من يستأجره لهذا الغرض، بان اللعبة الاقليمية التي يشارك فيها صارت مفضوحة. أكثر من ذلك، لم يعد مفر من الاعتراف بان لا بدّ من التعاطي مع الوضع اللبناني بطريقة مختلفة انطلاقا من معطيات جديدة متوافرة ووقائع يومية.
قبل كل شيء، هناك القرار الرقم 1701 الذي أغلق جبهة الجنوب في وجه "حزب الله"، أي في وجه "الحرس الثوري الايراني" تحديداً. هل في استطاعة الحزب القول أنه يرفض القرار وانه يصر على استمرار العمل المسلح وعلى الاحتفاظ بسلاحه وكأن القرار غير موجود... وكأن شيئا لم يحدث في صيف العام 2006. هل صحيح أنه لم يحدث شيء وأن الهدوء يسود في الجنوب منذ عامين بعد دخول الجيش اليه للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود؟
بعض الواقعية أكثر من ضروري. الحديث عن استراتيجية دفاعية ضرورة لبنانية. لكن أي استراتيجية دفاعية لا معنى لها في حال عدم معالجة مسألة سلاح "حزب الله". في النهاية ما الحاجة إلى مثل هذا السلاح الذي انتهى في شوارع بيروت وأثار فتنة شيعية ـ سنية تشكل حاليا الخطر الاكبر على مستقبل لبنان ومحيطه المباشر وتوفر أكبر خدمة يمكن أن تحلم بها دولة مثل إسرائيل تطالب بأن يسميها العالم "الدولة اليهودية". نعم بعض الواقعية ضروري، خصوصا عندما يستخدم السلاح في تعطيل الحياة في بيروت وضرب الاقتصاد والحصول على ما يسمى الثلث المعطل في الحكومة وعندما يجعل المهرج برتبة جنرال يشعر بأنه قادر على فرض وزراء مسيحيين مشكوك بأنهم يمتلكون حدا أدنى من الثقافة السياسية أو المعرفة بالموقع الجغرافي لهذه الدولة العربية أو تلك!
يحصل كل ذلك في وقت تتفاوض ايران مع "الشيطان الاكبر" الاميركي في شأن برنامجها النووي، فيما لا همّ لدى النظام السوري الذي يفاوض الاسرائيليين عبر تركيا سوى ضمان المشاركة الاميركية في هذه المفاوضات واعادة العلاقات معها إلى طبيعتها، أي إلى ما كانت عليه عندما سمح له الاميركيون بوضع يده على الوطن الصغير.
لم تعد هناك أسرار. اللعبة مكشوفة ومفضوحة من ألفها إلى يائها. هناك خدمة وحيدة يستطيع "حزب الله" تأديتها للبنان واللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق. تتمثل الخدمة في القول صراحة هل يستطيع أن يكون حزبا لبنانيا مثله مثل سائر الاحزاب الاخرى، أم أن الاقدام على مثل هذه النقلة النوعية مستحيل. الارجح ان الامر مستحيل بالنسبة إلى حزب يتوهم بأن قضية الفتنة الشيعية ـ السنية التي افتعلها صارت من الماضي وأن الاحداث تجاوزت مسألة الاعتذار من بيروت وأهلها ومن الجبل وأهله. من يفكر بهذه الطريقة ويعتبر قضية تبادل الاسرى مع إسرائيل انتصارا يسهل عليه ارتكاب كل الاخطاء. في مقدم هذه الاخطاء الاعتقاد بأن الانتصار على لبنان وتهجير أهله وتدمير اقتصاده انتصار على إسرائيل! مثل هذا النوع من الانتصارات يصلح لشيء واحد هو تغطية ما تقوم به ايران من أجل التوصل إلى صفقة مع الادارة الاميركية في شأن برنامجها النووي من جهة والتغطية على المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية من جهة أخرى. هذه المفاوضات التي تعتقد دمشق انها جسر إلى واشنطن لا أكثر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.