من يستمع إلى الرئيس بشار الأسد يتحدث عن لبنان في باريس وإلى جانبه الرئيس نيكولا ساركوزي وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان يتأكد من أمر واحد. هذا الأمر هو أن هناك رهانا سوريا على الوقت وأن كل استراتيجية النظام السوري قائمة على شراء الوقت. يعتقد الرئيس السوري بكل بساطة أن الوقت يعمل لمصلحته وانه مثلما استطاع تجاوز عهد جاك شيراك ودخول قصر الاليزيه دخول الفاتحين في عهد خليفته، سيتجاوز عهد جورج بوش الابن وسيقفز من باريس إلى واشنطن أو ان واشنطن ستقفز إلى دمشق بمجرد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي.
من الواضح أن الرئيس السوري لم يبد أي عجلة بالنسبة إلى إقامة علاقات ديبلوماسية بين دمشق وبيروت، وسيحاول تأجيل ذلك إلى أبعد حدود ممكنة. يبدو جليّا أنه لا يريد أن يتعلّم من أخطاء الماضي القريب معتمدا على نظرية تقول ان لبنان ليس قابلا للحياة من دون الوصاية السورية.
بالنسبة إلى الرئيس السوري فإن التاريخ اللبناني الذي يختصره بـ7-7-قرون من الصدامات" يعني بالنسبة إليه شيئا واحدا هو الحاجة الدائمة إلى السوري لوقف الصدامات بين اللبنانيين. من هذا المنطلق أجّل بشار الأسد الحوار الوطني في لبنان إلى ما بعد إقرار قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات نيابية بعد تسعة أو عشرة أشهر من الآن. كان لافتا في الوقت ذاته حديث الرئيس اللبناني عن حوار وطني بين اللبنانيين "في أسرع وقت" وإشارة أمير دولة قطر إلى سلبيات لبنان وإيجابياته. تحدث الشيخ حمد عن تعقيدات الوضع اللبناني بسبب المسألة الطائفية، لكنه تحدّث أيضا عن أهمية الديموقراطية في لبنان حيث تداول سلمي للسلطة، إذ يخرج الرئيس من قصر الرئاسة بمجرد انتهاء ولايته. هذا لا يعني أن هناك تناقضا بين الموقفين القطري والسوري بمقدار ما يعكس حاجة دائمة إلى تذكير بشّار الأسد بأن لبنان ليس كله سيئات وأنه لو لم يكن لبنان وطنا حقيقيا ولو لم تكن هناك عصبية حقيقية ومصلحة مشتركة تربط بين معظم اللبنانيين، لكان الوطن الصغير انتهى وزال عن خريطة الشرق الأوسط منذ فترة طويلة.
عكس كلام الرئيس السوري استخفافه بالعلاقات الديبلوماسية بين بيروت ودمشق، خصوصا لدى إشارته إلى أن عدد السفارات السورية في بلدان العالم قليل. وبدا واضحا أنه يبحث عن كيفية استغلال الكلام عن العلاقات الديبلوماسية من أجل تغطية الخطوة الانقلابية المقبلة عندما تتبدّل الأكثرية النيابية في لبنان. لم يتغيّر شيء في الاستراتيجية السورية. المطلوب إخضاع لبنان بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك خلق واقع جديد ناجم عن انتخابات نيابية يفوز فيها أنصار النظام السوري... أي "حزب الله" وحركة "أمل" والتيار العوني ومن لف لفّه ومجموعة من الأحزاب والشخصيات التابعة للأجهزة السورية والايرانية. في انتظار قيام هذا الواقع، ستستمر الفتنة المتنقلة في لبنان وستعلن دمشق موافقتها "من حيث المبدأ" على إقامة علاقات ديبلوماسية مع بيروت كي يتمكن الرئيس الفرنسي من زيارتها لا أكثر.
هل الوقت يعمل حقيقة لمصلحة النظام السوري؟، ربما كان هذا السؤال الذي يفترض في بشّار الأسد طرحه على نفسه. صحيح أن النظام السوري تخلّص من رفيق الحريري في العام 2005 وصحيح انه تخلص من مجموعة لا بأس بها من اللبنانيين الذين لعبوا دورا مهما في التصدي له ولأدواته. صحيح أنه نجح في حمل "حزب الله" على افتعال حرب سمحت لإسرائيل بالانتقام من لبنان واللبنانيين وإلحاق خسائر كبيرة بالبلد. صحيح أنه يستخدم الأداة التي اسمها ميشال عون يوميا في تعطيل البلد وشق الصفّ المسيحي والسعي إلى افتعال معارك مع أهل السنة في لبنان. صحيح أنه عطل الوسط التجاري لبيروت فترة طويلة وأغلق أبواب مجلس النواب ما يزيد على سنة ونصف السنة. صحيح أنه افتعل حرب مخيم نهر البارد وأنه يتابع إدخال الأسلحة إلى الأراضي اللبنانية بدعم واضح من النظام الايراني وأنه دفع في اتجاه "غزوة بيروت" التي أوجدت شرخا شيعيا ـ سنيا يهدد الوحدة الوطنية بشكل دائم بما يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية داخل سوريا نفسها. صحيح أن الحكومة الجديدة فيها ثلث ايراني ـ سوري معطّل كما ضمت عملاء مباشرين للأجهزة السورية. كل هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن لبنان صمد وأن ميشال سليمان انتُخب رئيسا للجمهورية. أكثر من ذلك، بقي فؤاد السنيورة رئيسا للوزراء وضمت الحكومة الجديدة شخصيات استقلالية من كل الطوائف والمناطق. انها شخصيات تستطيع المساعدة في طرح المشاكل العميقة التي يعاني منها لبنان وربما موضوع الصيغة اللبنانية التي قد تكون في حاجة إلى إعادة نظر فيها. لم يعد سياسيو لبنان يخشون التعاطي مع الواقع، خصوصا مع إصرار "حزب الله" المذهبي على الاحتفاظ بسلاحه الموجه إلى صدور اللبنانيين الآخرين.
لا شك أن الرئيس السوري على حق عندما يعتبر أن تاريخ لبنان مليء بالصدامات. يتوقف منطقه عندما لا يقر بأن الأزمة الحقيقية هي أزمة النظام السوري وأن لبنان صار جزءا من هذه الأزمة التي ستنتقل إلى سوريا عاجلا أم آجلا في حال لم يمتلك النظام فيها ما يكفي من الشجاعة للاعتراف الصريح بها. لو لم يكن النظام السوري في أزمة لما اضطر إلى التمديد لاميل لحود ولما اضطر بعد ذلك إلى اغتيال رفيق الحريري... ولما وجد نفسه مضطرا اليوم إلى الاستعانة بتركيا للتفاوض مع اسرائيل وإن بطريقة غير مباشرة. الرهان على الوقت ليس رهانا مثلما ان الهروب إلى أمام لا يحل أزمة ولا يمكن أن يكون سياسة!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.