8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان ليس قطاع غزّة

مع مرور الوقت، بات في الإمكان القول بكل راحة ضمير إن القرار الإقليمي والخارجي القاضي بتفجير الوضع في لبنان، في بيروت تحديداً ثم في البقاع وطرابلس، إنّما اتخذ بعيداً عن اللبنانيين ولأسباب يبدو واضحاً كل يوم أن لا علاقة لها بالقرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الماضي. إنها القرارات المُتّخذة مطلع أيار الماضي في شأن شبكة الاتصالات التي أقامها "حزب الله" في كلّ الأراضي اللبنانية والكاميرا التي وضعها في مطار بيروت بهدف مراقبة المدرج الذي تستخدمه الطائرات الخاصة التي غالباً ما تكون فيها الشخصيات اللبنانية المهددة على رأسها النائب سعد الحريري ورئيس الوزراء نفسه والزعيم الوطني وليد جنبلاط وشخصيات وطنية مسيحية على رأسها الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع وغيرهما. يبدو واضحاً لدى عرض تسلسل الأحداث أن القرار بتفجير الوضع اللبناني متخذ منذ زمن بعيد. يدل على ذلك حجم العملية العسكرية التي نفذت في بيروت والسرعة المعتمدة في تنفيذ العملية وسعة أهدافها التي شملت المحاولة الفاشلة لإخضاع الجبل الدرزي ـ المسيحي الذي قاوم الغزوة الإيرانية ـ السورية واستطاع التصدي لها وردّها على أعقابها... أقلّه الى الآن.
بعد ما يزيد من شهرين على "غزوة بيروت"، يتبين أنه ليس صحيحاً أن القرار القاضي باللجوء الى التفجير لم يعد قائماً. على العكس من ذلك، يُستدل من الوضع الذي لا يزال سائداً في بيروت وفي غير منطقة لبنانية أن المطلوب أكثر من أي وقت تأكيد أن العاصمة اللبنانية ساقطة عسكرياً، وأنها لا تزال في قبضة "حزب الله" والميليشيات التابعة للأجهزة السورية ولـ"الحرس الثوري الإيراني" والتي أبلت البلاء الحسن في الاعتداء على المؤسسات اللبنانية المتمسكة بالحرية والسيادة والاستقلال. هذا القرار بالتفجير لا يزال قائماً. صحيح أن النظام السوري اضطر الى القبول بانتخاب رئيس جديد للبنان بعدما بقي الفراغ مرشحه لفترة طويلة، وذلك بعد إقناعه بأن ليس في الإمكان عمل أي شيء لفك عزلته العربية والدولية من دون أن يكون هناك رئيس جديد للبنان. لكن الصحيح أيضاً، أن النظام السوري لم يتراجع قيد أنملة عن هدفه المتمثل في إخضاع لبنان وإعادته الى وصايته عبر الحكومة بعدما فشل في ذلك عبر رئاسة الجمهورية. يستطيع النظام السوري القول إن العماد ميشال سليمان انتخب رئيساً من دون أن يكون راضياً كلياً عن ذلك، وذلك في ضوء الدور الذي لعبه الجيش اللبناني في مواجهة عصابة شاكر العبسي الإرهابية التابعة له في مخيم نهر البارد. وبذلت دمشق كل ما تستطيع، في مرحلة ما، كي تجد بديلاً من ميشال سليمان بما في ذلك دعم إحدى أتفه الشخصيات المارونية في لبنان كي تصل الى الرئاسة، لكن النظام السوري يحاول الآن تعويض خسارته رئاسة الجمهورية عن طريق التسلل الى الحكومة عبر وزراء محسوبين مباشرة على أجهزته بصفة كونهم مخبرين لديها لا أكثر.
بغض النظر عما إذا كانت هناك تجاذبات داخل حركة الرابع عشر من آذار أم لا، يظل الموضوع الأساسي مرتبطاً بسؤال في غاية البساطة هو أي حكومة يريد اللبنانيون للبنان؟ الأكيد أنهم لا يريدون حكومة مخبرين ولا يريدون أن يتحول لبنان الى قطاع غزة حيث يسود هدوء بمجرد أن الأوامر صدرت بذلك من دمشق وطهران. في الأمس القريب، أي في العام 2005 كان القيادي الأبرز في "حماس" ويدعى محمود الزهار يقول: "إن الدعوة الى وقف إطلاق الصواريخ في مقابل تهدئة مع الاحتلال دعوة مشبوهة وينظر اليها بعين الريبة والحذر". الآن في العام 2008 وبعدما استطاعت "حماس" إحكام سيطرتها على غزة وإخراج السلطة الوطنية الفلسطينية منها، نظراً الى أن السلطة الوطنية تريد التخلص من الاحتلال والتوصل الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، صار الزهار نفسه يقول: "إن التهدئة التي توصلنا إليها في القاهرة (بموجب الاتفاق الذي حظي برعاية مصرية) مصلحة وطنية ويجب تثبيتها والالتزام بها لرفع الحصار عن شعبنا". ما الذي تغير بين العامين 2005 و2008 كي تصبح التهدئة مطلباً وطنياً بعدما كانت الصواريخ في الماضي تختصر النضال الفلسطيني بل كانت هدفاً بحد ذاته من أجل "تحرير غزة" على حد تعبير السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، الذي اعتبر أن الصواريخ أجبرت الإسرائيلي على الخروج من غزة "هارباً". ربما لا يدرك مشعل أن الإسرائيلي انسحب من غزة من جانب واحد كي يسقط الفلسطينيون في فخ الصواريخ وكي تستخدم "حماس" في توفير مبرر لحكومة ارييل شارون ثم حكومة إيهود أولمرت للامتناع عن التفاوض مع السلطة الوطنية الفلسطينية... والانتهاء من الاحتلال.
الآن، صارت الهدنة "مطلباً وطنياً" فلسطينياً في القطاع ما دامت غزة تحت السيطرة المطلقة لـ"حماس" التي تتلقى الأوامر والتعليمات من دمشق وطهران. بكلام أوضح، صارت غزة مستعمرة إيرانية ـ سورية والباقي تفاصيل. في لبنان المعركة مستمرة. مطلوب أن يرضخ الوطن الصغير نهائياً. مطلوب الاعتراف بأن بيروت مدينة محتلة وأن المناطق الأخرى يجب أن تكون مثل بيروت حيث لميليشيا "حزب الله" التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني الكلمة الأولى والأخيرة في شأن كل ما له علاقة بأهل المدينة. اللبنانيون يرفضون الاعتراف بذلك. اللبنانيون يقاومون. لبنان ليس غزة. هل يدرك النظام السوري ذلك مع أولياء نعمته في طهران، أم أنه يحتاج الى قتل مزيد من اللبنانيين ومزيد من الخراب في لبنان للتأكد من ذلك؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00