8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بعد عودة الإرهاب إلى المغرب العربي...

تظهر أحداث الشهور الأخيرة في منطقة المغرب العربي نشاطاً متزايداً لتنظيم "القاعدة" الإرهابي خصوصاً في الجزائر نفسها. يترافق ذلك مع توتر في العلاقات المغربية ـ الجزائرية بسبب قضية الصحراء الغربية حيث تستخدم المؤسسة الحاكمة في الجزائر جبهة "بوليساريو" من اجل استنزاف المغرب وقدراته. المؤسف أن ما تشهده المنطقة من تطورات خطيرة أكان ذلك في لبنان أو فلسطين أو العراق، يطغى على تزايد النشاط الإرهابي لـ"القاعدة" في المغرب العربي وحتى في مناطق أبعد منه على طول الشريط الممتد من الجنوب الموريتاني إلى جنوب الجزائر مروراً بمالي والنيجر... وصولاً إلى تشاد.
يوفر التحقيق الطويل الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام عن عودة الإرهاب إلى الجزائر معلومات مذهلة عن الظروف التي أدت إلى استعادة التنظيمات الإرهابية نشاطاتها. في طليعة هذه الظروف انضمام عناصر ما يسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى "القاعدة" جراء اتصالات جرت في العام 2004 بين زعيم الجماعة عبدالملك درودكال و"ابو مصعب الزرقاوي" الذي كان القائد الميداني لـ"القاعدة" في العراق. وقد قتل الزرقاوي قبل عامين بعدما اهتدى الأميركيون إلى المكان الذي يختبئ فيه. وفّرت "القاعدة" غطاء لـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي وسعت عملياتها الإرهابية وصارت تعمل تحت تسمية "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". نفّذت "القاعدة في بلاد المغرب" عمليات ارهابية عدة واستطاعت أن تكون على اتصال مباشر بأسامة بن لادن ومساعديه وذلك بعد تخلص الأميركيين من الزرقاوي. ولعل التطور الأهم الذي لا بد من الإشارة إليه هو ذلك الذي يتمثل في أن درودكال الذي صار زعيم "القاعدة في بلاد المغرب" وفّر عناصر لـ"القاعدة" في الجزائر نفسها وفي الدول المحيطة بها وفي أوروبا حيث جرى التخطيط في ربيع العام 2007 لتفجير سفارة الولايات المتحدة في لوكسمبورغ. وفي الداخل الجزائري وقعت حوادث أمنية عدة من بينها محاولة لاغتيال الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتفجير مقر للأمم المتحدة في كانون الأول 2007 ما أدى إلى سقوط اثنين وأربعين قتيلاً ونحو مئة وسبعين جريحاً. إضافة إلى ذلك، قتلت "القاعدة في بلاد المغرب" أربعة سياح فرنسيين في موريتانيا وخطفت سائحين في منطقة الحدود التونسية ـ الجزائرية.
ثمة كلام عن أن خطر "القاعدة" وصل إلى نيجيريا نفسها انطلاقاً من منطقة المغرب العربي. لكن الخبراء في شؤون الإرهاب يركزون على أن الجزائر توفر في الوقت الحاضر المعقل الأهم للإرهابيين الذين باتوا يتحركون بحرية كبيرة في مناطق تقع شرق العاصمة من بينها الناصرية. والسؤال الطبيعي في هذه الحال، لماذا لا تبذل السلطات الجزائرية جهوداً أكبر من أجل العودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل سنوات قليلة عندما استعاد البلد الهدوء والاستقرار إلى حد كبير ونظف مناطق عدة من بينها الناصرية من الإرهاب. كانت السلطات الجزائرية على حق عندما تصدت للإرهابيين وخاضت معهم حرباً شرسة امتدت سنوات عدة سقط خلالها نحو مئتي ألف قتيل معظمهم من المواطنين الأبرياء الذين ذهبوا ضحية الإرهاب الذي مورس باسم الدين في حين أن الاسلام براء من هذا النوع من الأعمال. ليس طبيعياً الآن أن تذهب تضحيات الجزائريين هدراً. لا بدّ من الاستفادة من تجارب الماضي القريب ومن دروسه.
لا شك ان تكليف أحمد أويحيى رئاسة الحكومة بدلاً من عبدالعزيز بلخادم خطوة في الاتجاه الصحيح. فأويحيى الذي أصبح قبل أيام رئيسا للوزراء، رجل عصري وليبيرالي يدرك جيدا أن لا مجال لأي تهاون مع الإرهاب في حين أن بلخادم يبدو أقرب إلى زعيم تيار ديني متشدد ومتزمت يختبئ خلف ربطة العنق التي يرتديها. ولكن مما لا شك فيه أيضا أن لا مفر من التفكير في كيفية مواجهة ظاهرة الإرهاب من زاوية جديدة مختلفة تأخذ في الاعتبار أن لا مجال لنجاح الحرب على الإرهاب من دون تعاون إقليمي. هناك تعاون بين الإرهابيين في كل دولة من دولة المنطقة، بين إرهابيي الجزائر وإرهابيي تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا. وهناك شبكات لـ"القاعدة" تعمل في إفريقيا وأوروبا مستفيدة من الموقع الجغرافي لدول المغرب العربي.
تبدو الجزائر الحلقة الأضعف في التعاون الإقليمي ضد الإرهاب. أكثر من ذلك، يبدو واضحا أن الجزائر لا تزال أسيرة حسابات ضيقة تحول دون الدخول في تنسيق مع الآخرين في شأن الحرب على الإرهاب. تعتقد الجزائر أن التنسيق مع الأميركيين والفرنسيين يكفي للقضاء على الظاهرة. لا تدرك أن لا مجال للنجاح في الحرب على الإرهاب من دون تنسيق مع دول الجوار ومن دون التخلي خصوصا عن عقدة اسمها المغرب. لا فائدة من استمرار اغلاق الحدود مع المغرب ولا فائدة خصوصا من دعم جبهة "بوليساريو" التي لن تستطيع يوما إقامة دولة مستقلة في الصحراء والتي ليس أمامها سوى القبول بخطة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط. خطة الحكم الذاتي هي اللعبة الوحيدة في المدينة. انها الطريق الأقصر للتلاقي بين دول المنطقة على خطة جدّية لمواجهة الإرهاب بشكله الجديد بعيداً عن الحسابات الضيقة التي لا فائدة منها. هل تحطم الجزائر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الحرب على الإرهاب في منطقة المغرب العربي، أم تبقى أسيرة العقدة التاريخية التي اسمها المغرب. مشكلة الجزائر في النهاية هي مع الإرهاب وليست مع المغرب. هذا ما يفترض تذكره باستمرار.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00