لا مفر من قول الامور كما هي. يشهد لبنان فتنة متنقلة ارتدت طابعا بغيضا تهدد مصير الكيان والصيغة في المدى الطويل. في حال استمرت الفتنة، يخشى من عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في غير منطقة من الوطن الصغير. وفي حال كان مطلوبا ان يكون المرء اكثر وضوحا لدى الحديث عن الفتنة، لا يمكن الاستخفاف بالوضع القائم في بيروت اثر "الغزوة" التي شنها "حزب الله" على اهل العاصمة. مسلحو ميليشيا "حزب الله" خلعوا ملابسهم العسكرية وخبّؤوا اسلحتهم، لكنهم لا يزالون داخل الاحياء الصغيرة يراقبون من الزوايا الاحياء البيروتية واهلها. ولا يمكن في الوقت ذاته تجاهل الوضع الجديد الذي نشأ في البقاع حيث المواجهة مكشوفة بين قرى وبلدات سنية واخرى شيعية. كذلك لا يمكن الاستخفاف باستيقاظ الفتنة السنية ـ العلوية في مدينة طرابلس حيث تحول "شارع سوريا" الى شارع يفصل بين جبهتين الاولى سنية اسمها باب التبانة والاخرى علوية اسمها جبل محسن.
وعلى الرغم من النفي الخجول والمتأخر الذي صدر عن الحزب الايراني، هناك انتشار مسلح واسع لـ"حزب الله"، في الجبال. كان لا بدّ من وجود رجل شجاع مثل الرئيس امين الجميل ليقول الكلام الذي يجب قوله عن هذا الوجود. صار الحزب ـ الميليشيا موجودا في اماكن جبلية حساسة تربط البقاع ببقية المناطق اللبنانية، اي بالجنوب والجبل وحتى الشمال. لا داعي للدخول في التفاصيل، لكن الواضح ان الحزب المسلح اتخذ قرارا بتوجيه سلاحه الى الداخل وتحقيق مكاسب سياسية عن طريق السلاح. لم يخف الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ان الصيغة المعتمدة حاليا هي "السلاح دفاعا عن السلاح". وبكلام اوضح، لم يتردد الحزب في اللجوء الى السلاح لتأكيد رفضه اي محاولة لسؤاله لماذا اقام دولة داخل الدولة ولماذا يرفض ان يكون حزبا مثل بقية الاحزاب ما دام ارتضى خوض الانتخابات النيابة ودخول الحكومة؟.
ما لم يقله نصرالله عن اهداف الحزب قاله اخرون. لعلّ اخطر ما قيل في هذا المجال على لسان احد القياديين من مساعدي الامين العام ان الحزب يريد ان يكون المجتمع اللبناني مجتمعاً "مقاوماً". انه يريد بكل صراحة تغيير طبيعة المجتمع اللبناني. كيف يمكن للبنان ان يكون مجتمعاً مقاوماً، ما دام الحزب نفسه ارتضى بالقرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة صيف العام 2006، اي بعد "الانتصار الالهي" الذي حققه الحزب على اسرائيل؟، ما دام الحزب يعتبر نفسه انتصر على اسرائيل، كيف يمكن ان يسمح لنفسه بقبول القرار 1701 الذي كرّس اغلاق جبهة جنوب لبنان في وجه اي عمل عسكري من اي نوع كان بفضل القوة الدولية المعززة؟.
تجاوز الموضوع موضوع تشكيل حكومة. المطروح ابعد من ذلك بكثير. ما هو مطروح يتمثل بكل بساطة بالمخطط الذي يسير عليه "حزب الله" والهادف بكل وضوح الى ربط لبنان بالمحور الايراني ـ السوري وتكريسه "ساحة" لهذا المحور. ما سيحصل بعد تشكيل الحكومة ان نقاشا عقيما سيدور في شأن البيان الوزاري وما سيتضمنه في شأن "المقاومة". هل من سيتجرأ على سؤال "حزب الله" عن اي مقاومة يتحدث؟، هل تفجير مشاكل ذات طابع مذهبي في بيروت والشمال والبقاع مقاومة؟، هل محاولة جرّ المسيحيين الى فتنة في ما بينهم عن طريق الاداة التي يستخدمها، اي الجنرال ميشال عون تفيد المقاومة في شيء؟، من حسن الحظ، ان المسيحيين استطاعوا، اقله الى الان، تفادي السقوط في الفخ عن طريق تجاهل ميشال عون واستفزازاته اليومية لكل لبناني شريف يمتلك حدا ادنى من الحس الوطني. ولا شك ان اكتشاف "الجنرال" لقدراته المحدودة على تحريك الشارع المسيحي من دون دعم مباشر من "حزب الله" وتوابعه ساعد في ذلك الى حدّ كبير.
عاجلاً ام اجلاً، سيُطرح موضوع البيان الوزاري. سيسعى "حزب الله" الى ادراج كلمة "المقاومة" فيه بغية تأكيد ان سلاحه لا يُمس وأنه وجد ليبقى وكي يتكرس لبنان "ساحة" بدل ان يكون وطنا لكل ابنائه. سلاح "حزب الله" هو عنوان المعركة المقبلة. بقاؤه يعني انه لن تقوم قيامة للوطن الصغير. بقاؤه يعني العودة الى اتفاق القاهرة الذي وقعته الحكومة اللبنانية ممثلة بقائد الجيش وقتذاك مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات وبرعاية جمال عبدالناصر في العام 1969، كان توقيع اتفاق القاهرة الذي لم يقف في وجهه سوى زعيم لبناني واحد هو العميد ريمون اده، بداية العدّ العكسي لاندلاع الحرب الاهلية في لبنان وما رافقها من حروب بين الآخرين على ارضه. في ظل التوتر الذي يسود انحاء مختلفة من لبنان، لن يكون التمسك بالسلاح في هذه الايّام سوى مقدمة لحرب اهلية جديدة ستتورط فيها قوى اقليمية مختلفة عاجلاً ام اجلاً.
من هذا المنطلق، يبدو من الافضل ان تراوح عملية تشكيل الحكومة مكانها. حتى لو تشكلت الحكومة، من الافضل ألا يبصر البيان الوزاري النور في حال كان مطلوبا اعطاء شرعية لسلاح "حزب الله". مثل هذه الشرعية للسلاح الحزبي والمذهبي تعني دخول لبنان مرحلة اسوأ من تلك التي دخلها بعد توقيع اتفاق القاهرة. هل من يريد ان يتعلم شيئاً من الماضي القريب... من حرب استمرت خمسة عشر عاما هجرت ما يكفي من اللبنانيين ودمرت ما يكفي من البلد؟، البيان الوزاري معركة لبنان المقبلة. انها بكل بساطة معركة مصير بالنسبة الى الوطن الصغير. معركة تتجاوز تشكيل حكومة تمهيدا لانتخابات قد تجري او لا تجري!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.