8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان والعودة إلى ما يقوله الكتاب؟

في العام 1970 انتخب مجلس النوّاب اللبناني سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. فاز سليمان فرنجية على حاكم مصرف لبنان الياس سركيس بفارق صوت واحد. نال فرنجية خمسين صوتا في مقابل تسعة وأربعين صوتا لالياس سركيس الشهابي العتيق الذي عمل في ظل الرئيس الذي بنى بين العامين 1958 و1964 المؤسسات الحديثة للجمهورية اللبنانية وسعى الى تنظيم عصري لمختلف القطاعات وتعميم العدالة الاجتماعية على كل المناطق. جاء فؤاد شهاب الى الرئاسة بعد أحداث العام 1958. ولما انتهت ولايته الدستورية، اختار الذهاب الى بيته رافضا التجديد مؤكدا التزامه الحرفي للدستور نصّا وروحا. لا تزال العبارة المشهورة التي كان يرددها باستمرار عالقة في ذهن كثيرين. كانت العبارة التي اعتمدها فؤاد شهاب هي الاتية: "ماذا يقول الكتاب؟". وكان يعني بالكتاب نص الدستور الذي أراد أن يفرض على اللبنانيين احترامه وتعويدهم على السير بموجب مواده أكانوا في السلطة أو خارجها، أكانوا مسؤولين أو من عامة الشعب.
انتخب فؤاد شهاب رئيسا خلفا لكميل شمعون الرئيس الذي بنى البنية التحتية للبنان بين العامين 1952 و1958 وكان صاحب أفكار ومشاريع طليعية وقوانين عصرية مكنت لبنان من أن يكون بالفعل قبلة الشرق والغرب. من كان يتصور أن بلدا مثل لبنان ينظم في الخمسينات مهرجانات بعلبك؟، من كان يتخيل فكرة كازينو لبنان التي تحولت الى حقيقة في عهد كميل شمعون؟. من يريد أن يتذكر أن المدينة الرياضية هي من بنات أفكار كميل شمعون، كذلك سد الليطاني ومئات المشاريع الأنمائية التي بقي قسم كبير منها على ورق.
اضطر كميل شمعون على الرغم من امتلاكه أكثرية نيابية الى التزام الدستور في نهاية المطاف. كان التخوف من أن كميل شمعون يمكن أن يخرق الدستور ويسعى إلى التجديد نقطة سوداء في عهده الذي أسس للازدهار في لبنان على الرغم من شوائب السياسة الخارجية للوطن الصغير في عهده. في مقدّم الشوائب عدم استيعاب خطورة التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط في ظل زعامة جمال عبدالناصر التي قادت إلى سقوط النظام الملكي في العراق في الرابع عشر من تموز 1958 وإلى تطورات أخرى في غاية الأهمية والخطورة.
كان فؤاد شهاب مدرسة في احترام الدستور. كان يخاف على لبنان من جراء عدم احترام الدستور. كان يعتبر احترام الدستور في أساس ديمومة لبنان. تعلّم من التجربة التي مرّ بها كميل شمعون وقبله الرئيس الأول للبنان المستقل الشيخ بشارة الخوري الذي سعى الى التجديد، فكانت ثورة شعبية أجبرته على الاستقالة في العام 1952.
ما يفترض تعلمه من فؤاد شهاب أن لا مفر من احترام الدستور اللبناني كي يكون هناك لبنان. كان احترام الدستور وراء وصول سليمان فرنجية الى الرئاسة بفارق صوت واحد. كانت تلك الأكثرية أكثرية نصف صوت في الواقع اذ حصل على خمسين صوتا من أصوات أعضاء مجلس النواب وعددهم تسعة وتسعون. لم يكن لبنان في حاجة الى سليمان فرنجية في العام 1970. كان في حاجة إلى شخص مثل الياس سركيس. من سوء حظ لبنان أن سليمان فرنجية الذي لا يمتلك أي خلفية سياسية تتجاوز حدود قريته والحسابات المحلية الضيقة، انتخب رئيسا للجمهورية في المرحلة ألأكثر دقة في تاريخ لبنان، بعد سنة من اقرار مجلس النواب اتفاق القاهرة الذي شكل اعتداء على السيادة اللبنانية وعلى مستقبل لبنان كدولة مستقلة. حصل ذلك جراء الضغوط التي مارسها رئيس الوزراء رشيد كرامي على الرئيس الماروني شارل حلو الذي لم يستطع أن يسأله: "ماذا يقول الكتاب؟".
لا مستقبل للبنان من دون احترام للدستور. النظام السوري يعرف ذلك جيدا. كذلك الأوصياء عليه في طهران وأدواتهم اللبنانية على رأسهم "حزب الله" وأدوات الأدوات من أمثال النائب ميشال عون الذي كان قائدا للجيش ولم يتعلّم شيئا من فؤاد شهاب أو من تجربة كميل شمعون أو من التجارب التي مرّ فيها العميد ريمون أده. لم يتصوّر ريمون أده يوما أن في استطاعة نائب مسيحي أو غير مسيحي مخالفة الدستور وأن يرفض الذهاب الى مجلس النوّاب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لدى انتهاء الولاية الدستورية للرئيس.
باختصار شديد، ان الانقلاب الذي يتعرّض له لبنان حاليا يستهدف القضاء على الكيان عن طريق وقف العمل بالدستور. لهذا السبب وليس لغيره، لم تُعقد جلسة لمجلس النواب بعد انتهاء ولاية اميل لحود بموجب الدستور. لهذا السبب أغلق رئيس مجلس النواب نبيه بري أبواب المجلس. بالطبع، يمكن تفهم مواقف رئيس مجلس النواب الذي هو في النهاية لاجئ سياسي عند "حزب الله" الذي أخذ الطائفة الشيعية الكريمة رهينة معتمدا على سلاحه و"الدولار الطاهر". ويحاول الحزب ـ الميليشيا حاليا أخذ لبنان كله رهينة بعدما اعتبر أنه نجح في الاستيلاء على بيروت وتعطيل دور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى معتمدا على الأداة المُستأجرة التي اسمها ميشال عون. أخطأ الرئيس فؤاد السنيورة عندما اعتبر عون "درعا" لميليشيا "حزب الله". ميشال عون لا يمكن الا أن يكون أداة ولا يحسن سوى دور الأداة. السنوات العشرون الأخيرة تدل على ذلك.
لا أمل للبنان سوى في العودة إلى الدستور. لذلك تنصب الجهود حاليا على منع فؤاد السنيورة من تشكيل حكومة بموجب الدستور. أين ايامنا من أيام فؤاد شهاب؟ أين أيامنا من أيام كان فيها رئيس الجمهورية يسأل "ماذا يقول الكتاب؟". الأكيد أن الرئيس ميشال سليمان تأثر بفؤاد شهاب ومدرسته. مجرد وجود شخص من هذا المستوى في الرئاسة يحمل بعض التفاؤل بأن يعود رئيس الجمهورية إلى التركيز على الدستور وما ورد في "الكتاب".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00