لماذا التصعيد المفتعل في مناطق مختلفة من لبنان؟ هل يعتقد النظام السوري أنه سيتمكن بهذه الطريقة من حمل الرئيس فؤاد السنيورة على الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان؟ أم يعتقد أنه بات قادرا على متابعة عملية إعادة وضع يده على الوطن الصغير بشكل تدريجي بعدما خفت الضغوط الدولية عليه بمجرد موافقته على انتخاب رئيس لبنان؟
يبدو واضحا أن الهمّ الأول للنظام السوري الذي يستخدم الأداة الإيرانية المُعارة التي اسمها "حزب الله" وأدوات الأدوات المستأجرة من نوع النائب ميشال عون ومن هم على شاكلته تعطيل الحياة في البلد وجعل الفتنة متنقلة. ومتى لا تؤدي الأدوات المُعارة والمستأجرة المهمة المطلوبة تظهر ميليشيات مسلحة تابعة للأجهزة السورية هدفها إثارة النعرات المذهبية كما حصل ويحصل في الشمال والبقاع.
الهدف الذي يسعى إليه النظام السوري تفكيك البلد من تحت الى فوق ومن فوق الى تحت مستفيدا من عوامل عدة. في مقدم هذه العوامل الرغبة الإيرانية التي يعبر عنها "حزب الله" في السيطرة على بيروت وإخضاعها تمهيدا لإخضاع المناطق اللبنانية الأخرى، كما الحال في الجنوب وقسم من البقاع.
صار لبنان بالنسبة الى إيران أقرب الى مستعمرة من أي شيء آخر... الدليل على ذلك مطالبة "حزب الله" علنا بأن يكون جميع قادة الأجهزة الأمنية في البلد خاضعين له أو متعاطفين معه في أسوأ الأحوال. لم تعد هناك حدود للوقاحة بعدما استباحت ميليشيا "حزب الله" البيوت والأرزاق في بيروت والجبل، واعتدت على الكرامات مخلفة شرخا ذا طابع مذهبي لا سابق له في لبنان ككل وفي بيروت والجبل تحديدا.
لا تمثّل الرغبة الإيرانية في تأكيد أن لبنان صار مجرد مستعمرة تدار من طهران العامل الوحيد الذي يشجع النظام السوري على متابعة اندفاعه وهجمته في اتجاه تفكيك التركيبة اللبنانية والمجتمع اللبناني والتخلص من اتفاق الطائف الذي يشكل الضمانة الوحيدة والأخيرة للتوازن بين الطوائف اللبنانية المختلفة.
هناك عامل آخر في غاية الأهمية يستفيد منه النظام السوري يتمثل في حال التخبط التي تعاني منها ادارة الرئيس بوش الإبن الذي تنتهي ولايته بعد ستة أشهر. من الواضح أن لا قرار في واشنطن الآن بالإقدام على عمل عسكري ما في الشرق الأوسط أو ممارسة الضغوط على دمشق أو طهران سوى عن طريق الكلام الكبير الذي لا معنى له.
من يستطيع اليوم إعطاء تفسير للأسباب التي دعت إدارة بوش الى الإعلان في مرحلة ما قبل "غزوة بيروت" التي نفّذها "حزب الله" عن إرسال المدمرة "كول" الى قبالة الشواطئ اللبنانية والسورية؟ هل أدى الكلام الأميركي سوى الى خدمة النظام السوري والأداة المعارة له والأدوات الأخرى المستأجرة عن طريق تصوير الأكثرية في لبنان بأنها تبحث عن حماية أميركية؟
تبين أن الإدارة الأميركية وفّرت أفضل خدمة للنظام السوري و"حزب الله" من الناحية الإعلامية، في حين أن من دافع عن بيروت وعن الجبل كان أهل بيروت وأهل الجبل الذين تصدوا للهجمة البربرية التي تعرضوا لها. أهل بيروت صمدوا في بيوتهم على الرغم من تعرضهم لكل أنواع الإهانات والظلم. وفي الجبل، أظهر المواطنون أنهم أبطال حقيقيون من معدن صلب يردون على كل من يعتدي عليهم في بيوتهم وأرضهم...
لا يمكن تجاهل أن النظام السوري يستفيد أيضا من الانفتاح الفرنسي عليه. لا تزال الإدارة الفرنسية الجديدة في حاجة الى دروس خصوصية في السياسة وفي طريقة التعاطي مع دمشق في ظل النظام الحالي.
عاجلا أم آجلا، سيكتشف الرئيس نيكولا ساركوزي أنه تسرع في اعتبار أن النظام السوري يتغير تدريجا وأنه أقدم على خطوة إيجابية في اتجاه لبنان. الأمل في أن يكتشف ذلك قبل فوات الأوان وقبل أن تلحق بلبنان أضرار لا مجال لتعويضها. من الواضح ان النظام السوري يدفع في اتجاه حرب أهلية في الوطن الصغير معتمدا على أنه أبقى ما يكفي من الألغام فيه جراء وصايته التي استمرت ثلاثة عقود كي لا يعود استقرار لبناني بمجرد أن في البلد من يطالب بالإستقلال والسيادة والحرية!
أخيرا وليس آخرا، يتكل النظام السوري على دخوله في مفاوضات مع إسرائيل عن طريق تركيا كي يقول إنه صاحب دور إقليمي بناء. الكلام عن المفاوضات، التي يستبعد أن تؤدي الى نتيجة، حاجة سورية وإسرائيلية في آن. السوري يريد الظهور في مظهر الساعي الى السلام وتسويق نفسه في العالم بهذه الصفة، والإسرائيلي يريد الإيحاء بأن إيهود أولمرت لا يعاني من مشكلة حقيقية تعود الى تهم الفساد الموجهة إليه والتي يمكن أن تنهي حياته السياسية. الكلام عن المفاوضات يفيد الجانبين، خصوصا الجانب السوري الذي يريد التأكيد كل يوم أنه ليس معزولا من جهة وأنه ليس أسير السياسات الإيرانية من جهة أخرى.
هل يدفع لبنان ثمن كل هذه العوامل المجتمعة التي يتكل عليها النظام السوري للمضي في هجمته على الوطن الصغير؟
لا بدّ من الإعتراف بأن الهجمة على لبنان في غاية الشراسة. ولكن لا بدّ من الاعتراف في الوقت ذاته أن لبنان لا يزال يقاوم، وأن فؤاد السنيورة يمثل في المرحلة الراهنة رمزا لهذه المقاومة التي صنعت الاستقلال الثاني. الطريق لا يزال طويلا، ولكن من كان يصدق أن القوات السورية ستنسحب يوما من لبنان؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.