8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عدم الاستقرار الدائم .. الخطر الأكبر على لبنان

أخطر ما في الشرق الأوسط ان الموقت يصير فيه دائماً. لذا لا يمكن الاستخفاف بما شهده لبنان في مرحلة ما بعد اقرار اتفاق الطائف. لولا الطائف ثم مشروع الانماء والاعمار، لما كان في الامكان إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية على الرغم من نظام الوصاية السوري الذي وضع كل العقبات الممكنة من أجل منع استعادة بيروت وحدتها ومن أجل إبقاء البلد مفتتاً. لعبت الحركة الاقتصادية التي انطلقت بعد إقرار اتفاق الطائف دورا في التغلب على العقبات السورية. ولا شك في أن اعادة توحيد بيروت وإعادة بناء الوسط التجاري لعبتا الدور الأساسي في إعادة اللحمة بين اللبنانيين وجعلهم يتطلعون إلى مستقبل مزدهر. مطلوب أن يعود البلد مفتتاً. وهذا يفسّر إلى حد كبير التركيز على بيروت ومنع انتشار ثقافة الحياة فيها... مطلوب بكل بساطة أن يكون لبنان بلداً بائساً انطلاقاً من عاصمته البائسة. مطلوب أن يكون تلازم بين لبنان وحال عدم الاستقرار!
يتمثل الخطر الأكبر الذي يتعرض له الوطن الصغير حالياً في أن عملية إفقاره مستمرة انطلاقاً من بيروت. هناك محور إيراني ـ سوري يعتبر أن هدفه الأول وضع اليد على البلد مجدداً للمساومة عليه والدخول في صفقات على حسابه وذلك كي يكون اللااستقرار حالا دائمة. ولهذا السبب على اللبنانيين التمعن جيّداً في ما يدور حولهم وأن يبدوا خوفهم من الموقت الذي يصير دائماً. من ينظر إلى الأحداث التي شهدتها ولا تزال تشهدها المنطقة يدرك أن الخوف الكبير هو من الموقت الذي يصير دائماً في حال لم يعالج الخلل على وجه السرعة ويوضع حدّ له. من لا يستخدم المرونة أو القوة، في حال كان يمتلكها، يسقط في فخ الرهان على الوقت. لو راهنت الكويت على الوقت والوعود والحلول العربية لكانت حتى يومنا هذا رهينة النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. حصلت معجزة حقيقية في العام 1990. رفض أي كويتي التعاطي مع الاحتلال واتخذ أمير الكويت وأفراد العائلة قراراً بتحرير البلد بأي ثمن كان. الأهم من ذلك أنه كان هناك قرار دولي وعربي استند إلى تصميم أمير الكويت وقتذاك الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، على الذهاب إلى النهاية في معركة التحرير أياً يكن الثمن المطلوب دفعه. الكويت مثل وحيد فريد من نوعه في المنطقة على إمكان رفض أن يكون الموقت دائماً.
في لبنان، كان مفترضاً أن تعمل القوات السورية التي دخلت الوطن الصغير تحت راية "جيش التحرير الفلسطيني" في البداية، أي في العام 1976، ثم تحت راية جامعة الدول العربية بعد إنشاء ما يسمى "قوة الردع العربية" على إحلال السلام في البلد وأن تغادره في أسرع وقت ممكن. بقيت القوات السورية في لبنان من السنة 1976 إلى السنة 2005. ولولا ارتكاب النظام السوري جريمة في حجم جريمة اغتيال رفيق الحريري ونزول أهل السنّة في لبنان مع الطوائف الأخرى، بما في ذلك المسيحيون والدروز وقسم لا بأس به من الشيعة إلى الشارع، لكانت القوات السورية لا تزال في لبنان. كان مفترضاً بالقوات السورية أن تنسحب تدريجاً إلى مواقع معينة منذ العام 1989 تاريخ التوصل إلى اتفاق الطائف. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. كان الاعتقاد السوري أن الموقت في لبنان سيصبح دائماً وذلك على غرار الوجود التركي في قبرص المستمر منذ العام 1974. لكن إرادة اللبنانيين كانت أقوى وكانت الكلمة النهائية لأهل لبنان الحر السيّد المستقل. هناك الآن محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى خلف في لبنان... إلى عهد الوصاية والجزر الأمنية المنتشرة في كلّ مكان.
في فلسطين، غادر الأهالي، أي السكان ألأصليون للأرض بيوتهم في العام 1948 معتقدين أن المسألة مسألة أيام يعودون بعدها إليها. كان الاتكال على الجيوش العربية التي ستنتصر على الـ"الغزاة الصهاينة" وتعيد العائلات الفلسطينية إلى بيوتها وقراها ومدنها، إلى قرى الجليل وحيفا ويافا واللد وصفد وغيرها... لا يزال هناك فلسطينيون في مخيمات لبنان وسوريا والأردن وغزة والضفة الغربية يحتفظون بمفاتيح منازلهم إلى يومنا هذا. ذهب البيت وبقي المفتاح بعدما صار الموقت دائما. وفي العام 1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية والجولان وسيناء وقطاع غزة. وحدها مصر استعادت أرضها بعدما اتخذ أنور السادات، الذي لا يزال هناك أخذ ورد في شأن أهمية ما قام به، قراره الجريء بالذهاب إلى الكنيست. كاد الفلسطينيون يستعيدون في العام 2000 شيئاً. لكن الواضح أن ياسر عرفات لم يمتلك وقتذاك ما يكفي من الجرأة للاقدام على مغامرة غير محسوبة النتائج. ثمة من لا يزال يعتقد أن الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني كان حكيماً. وحده التاريخ سيحكم في هذا الشأن.
اليوم، في ذكرى مرور سنة على الانقلاب الذي قامت به "حماس" في غزة، يخشى دخول القضية الفلسطينية مرحلة جديدة. إنها مرحلة تكريس الفصل بين الضفة والقطاع. من دون حل سريع يعيد غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية، يمكن للوضع السائد أن يستمر طويلاً... إلى ما لا نهاية.
هل يستفيد اللبنانيون من تجربتهم الخاصة ومن تجربة الآخرين كي لا يتحوّل الموقت إلى دائم... أم يخسرون بلدهم عبر إعادة إدخاله في لعبة التجاذبات الاقليمية التي لا نهاية أو افق لها. مستقبل لبنان على المحك في حال عدم تدارك الوضع في الوطن الصغير وعودته بلداً طبيعياً يحكمه الدستور المتفق عليه في الطائف والذي تم التوصل إلى اتفاق الدوحة تحت مظلته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00