قبل ثلاث سنوات استشهد سمير قصير. استشهد من اجل لبنان اوّلا ومن اجل فلسطين وكل العرب وكل ما هو عربي بالمعنى الحقيقي للكلمة. اغتيل لانه عربي منفتح يريد الخير للبنان وسوريا وفلسطين وللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. اغتيل لانه كان يرفض المتاجرة بلبنان وسوريا وفلسطين وباللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. كان صعبا حصر سمير في بلد عربي واحد. كان نموذجا للانسان المثقف المتحرر الذي احبّ بيروت وعشقها بصفة كونها عاصمة العرب وليست عاصمة لبنان فقط. كانت بيروت بالنسبة اليه المنارة التي تجذب الاحرار وكل ما له علاقة بالثقافة والتقدم والحضارة. كان سمير قبل كل شيء انسانا شجاعا تحدى النظام الامني السوري اللبناني في عز سطوته. لم يخف من أحد. لم يتردد في قول ما يجب قوله. كان أكبر من أي جهاز أمني. قتلوه لأنهم جبناء ولانه كان أكبر منهم ولانهم يعرفون انه انتصر. انتصر بالكلمة وسينتصر بالكلمة وبثقافته الواسعة التي سمحت له بأستشراف المستقبل. سمير باق لانه مثل بيروت. سمير انتصر وسينتصر لان بيروت انتصرت وستنتصر على الصغار الذين يعتقدون ان القتل يحل مشكلة ويحمي نظاما... وأن الجريمة يمكن تغطيتها بجريمة اخرى.
عشية اغتياله كان سمير قصير يشعر بأن الانتصارات لا محالة. كان قارئا جيدا للتاريخ، لكنه استخف بقدرة اعداء لبنان على الاستمرار في مشروعهم الهادف الى الاستمرار في فرض الوصاية على الوطن الصغير عن طريق الفراغ. كان يرفض اتخاذ اي احتياطات. توقف عن الاستعانة بمرافق وفيّ يركن له سيارته في مكان آمن. اعتقد ان ربيع بيروت سيعم المنطقة كلها. كان على حقّ. سيعم ربيع بيروت والمنطقة ولكن بعد الانتهاء من هذا الليل الطويل الذي اسمه مخاض المرحلة الانتقالية التي دخلها الشرق الاوسط منذ بدء الحرب الاميركية على العراق التي جعلت الغرائز المذهبية تطفو بشكل اقل ما يمكن وصفه بالبشع. لم تتبخر احلام سمير قصير، لا لشيء سوى لانّ لبنان صمد في وجه حملة ظالمة تعرض لها طوال ثلاث سنوات بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في اعادة عقارب الساعة الى خلف... اي الى عهد الوصاية.
آمن سمير قصير بربيع بيروت الذي سيتحول ربيعا عربيا عاجلا ام آجلا. آمن بلبنان. آمن ببيروت وكتب فعل ايمان بها هو "قصة بيروت". أدرك باكرا ان نظام الوصاية راحل وأدرك على الفور المعنى العميق لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري وأن دم رفيق الحريري لم يذهب ولن يذهب هدرا، وعرف خصوصا نبض الشارع اللبناني ورغبة اللبنانيين في استعادة الاستقلال. لذلك كانت الشعارات التي رفعها الذين شاركوا في تظاهرة الرابع عشر من اذار التي اخرجت القوات السورية من لبنان مستوحاة من شعار الاستقلال 2005 الذي كان سمير قصير خلفه. لعب سمير دورا محوريا في التقاط لحظة الاستقلال الثاني الذي جسدته لاحقا حكومة فؤاد السنيورة، تلك الحكومة التي حمت لبنان وحافظت على مؤسسة مجلس الوزراء في وقت كان مطلوبا ان يسقط الوطن الصغير كله في الفراغ...
بعد ثلاث سنوات على اغتيال سمير قصير، يتبين ان من يقف وراء سلسلة الجرائم التي تعرض لها اشرف اللبنانيين والعرب، على رأسهم رفيق الحريري كان ينفّذ خطة مدروسة تستند الى تكريس الفراغ في المؤسسات كي لا يعود هناك لبنان. كان رفيق الحريري باني لبنان الحديث. كان الرجل الذي اعاد الحياة الى بيروت وحاول احياء المؤسسات اللبنانية بعيدا عن الهيمنة الخارجية ولكن من دون الاصطدام بالنظام السوري. على العكس من ذلك، كان يريد الخير لسوريا ولبنان في آن. ولذلك نُسف موكبه. ولذلك ايضا اغتيل سمير قصير وبعده جورج حاوي... وجبران تويني. كان مطلوبا بعد اغتيال الحريري تكريس الفراغ. كان مطلوبا منع اي صوت مسيحي او غير مسيحي من قول كلمة حق. كان مطلوبا، بكل صراحة، إسكات "النهار" وتدجينها على الاقلّ. وهذا ما حصل بالفعل. لكن اللبنانيين استمروا في المقاومة، فكان لا بد من اغتيال بيار امين الجميّل النائب والوزير الشاب الذي استطاع اعادة حزب الكتائب الى المعادلة السياسية اللبنانية وأنتزاعه من براثن الاجهزة السورية. اغتيل بيار كي تخلو الساحة المسيحية للادوات السورية المعروفة التي جيء بها من باريس بموجب صفقة مكشوفة. وأدت هذه الادوات التي لعبت في الفترة الاخيرة دور الاداة لدى الادوات الدور المطلوب منها بدءا بتغطية الجرائم المرتكبة وأنتهاء بالمشاركة في الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة وسط بيروت خدمة للمحور الايراني ـ السوري.
فقد لبنان سمير قصير وقبل ذلك رفيق الحريري الذي اعاد الوطن الصغير الى خريطة المنطقة والعالم. استمرت الحرب على لبنان من اجل افراغ المؤسسات وتدميرها بدليل ما تعرض له الجيش في الفترة الاخيرة، خصوصا مع اغتيال اللواء فرنسوا الحاج مدير العمليات فيه. الان يكتشف القتلة ان لبنان اقوى منهم ومن ادواتهم ومن ادوات الادوات. هناك من يتابع المسيرة. لا فراغ على الصعيد الوطني ما دام هناك سعد الحريري وفؤاد السنيورة ووليد جنبلاط وأمين الجميل وسمير جعجع ونسيب لحود ونايله معوض والمفتي علي الامين وميشال المرّ وفارس سعيد وعشرات السياسيين والرجال الشرفاء المستعدّين لمتابعة المسيرة الى النهاية... الى ان ينتصر شعار الاستقلال 2005 . هذا الشعار الذي صنعه سمير قصير اللبناني، الفلسطيني، السوري، العربي الحقيقي الحر المستقل الذي رفض المساومة على مبادئه. سمير باقٍ في قلوب الذين عرفوه عن كثب وعقولهم كونه يمثل المستقبل. مستقبل لبنان المقاوم للفكر المتخلف الاسود الذي كشفته أخيرا "غزوة بيروت"!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.