كان الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" خطاب كلّ التناقضات والمغالطات بامتياز. كان عليه الاستعانة بالشهيد رفيق الحريري لتبرير احتفاظ حزبه بسلاحه. من يريد أن يترحم فعلا على رفيق الحريري لا يقول "شكراً" لسوريا، وللنظام السوري تحديداً، المسؤول الأول حتى اشعار آخر عن اغتيال الرجل الذي بنى لبنان الحديث وأعاده الى خريطة الشرق الأوسط والعالم وأعاد اللبنانيين الى لبنان. وكان على نصرالله الإشادة بخطاب القسم للرئيس اللبناني الجديد العماد ميشال سليمان وأن يؤكد في الوقت ذاته على أنه لا يوافق على طرح العماد سليمان في شأن الإستراتيجية الدفاعية للبنان وأن على الدولة أن تكون في خدمة "حزب الله" واستراتيجيته التي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمصلحة لبنان أو اللبنانيين. يفترض فيمن يشيد بخطاب القسم، التزام الاستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية التي يفترض أن تكون موضع بحث بين كل اللبنانيين، لا فرض استراتيجيته على الدولة. من يؤكد تمسك "حزب الله" بسلاحه إنما يؤكّد في الوقت ذاته رفض مؤسسات الدولة في لبنان بما في ذلك مؤسسة الجيش التي يفترض أن تكون حيازة السلاح محصورة بها.
ما قاله الأمين العام لـ"حزب الله" كان كلاماً جميلاً منمقاً. لكن الكلام الجميل المليء بالمغالطات شيء... والأفعال شيء آخر. كان خطاب نصرالله بعد أربع وعشرين ساعة من انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وإلقائه خطاب القسم في مجلس النواب بمثابة رفض واضح لالتزام ما أعلنه الرئيس اللبناني خصوصا لجهة احترام قرارات الشرعية الدولية. عن أي مقاومة يتحدث الأمين العام لـ"حزب الله"؟ هل هي المقاومة التي أقامت خط التماس بين الشيعة والسنة وأبناء البناية الواحدة في بربور وكورنيش المزرعة وأحياء ومناطق أخرى من بيروت؟.
يفترض في الأمين العام لـ"حزب الله" الاعتراف بأنه لم يحقق انتصارا منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000. كل ما حققه كان انتصارات على لبنان واللبنانيين خدمة لوحدة المسارين... أي خدمة للنظام السوري الذي تاجر بلبنان واللبنانيين وأهل الجنوب خصوصا، الى أن حان وقت التصرف بالطريقة التي تخدم مصالحه. أين هذه الوحدة منذ قرر النظام السوري السير في مفاوضات مع إسرائيل تشمل استعادة سوريا لمزارع شبعا اضافة الى الجولان المحتل طبعا؟.
يفسر المغالطات والتناقضات التي وقع فيها السيد حسن نصرالله في خطابه ما أسفرت عنه "غزوة بيروت". حققت ميليشيا الحزب والأدوات المستأجرة التابعة لها انتصارا كبيرا على بيروت وأهل بيروت وعلى اللبنانيين المؤمنين بثقافة الحياة عموما. إنها الثقافة التي يكرهها "حزب الله" ويعمل على تدميرها. لكن نتيجة الانتصار كانت هزيمة سياسية مرّة لا تقارن سوى بالنكسة العسكرية التي لحقت بالحزب على يد أهل الجبل. ولهذا السبب، تفاديا للإقرار بالهزيمة السياسية والنكسة العسكرية، لا يزال مسلحو الحزب وعناصر من ميليشيا رئيس مجلس النواب يتابعون اعتداءاتهم على أهل بيروت المسالمين الذين يقاومون جحافل البرابرة بالموقف والكلمة الحق. كيف يمكن لمن يعتبر حزبه "مقاومة" إذلال أهل بيروت ومحاولة قهر أهل الجبل من الدروز؟ كيف يمكن أن لا تكون لديه كلمة اعتذار من بيروت ومن الجبل بعد كل ما ارتكبه في حقهما وفي حق أهلهما؟ كيف يمكن لزعيم سياسي أن يقبل بأن يقتحم رجاله بأسلحتهم بيوت الآمنين وأن يطلق هؤلاء النار على لبنانيين آخرين من دون سبب، اللهم الا اذا كان الانتماء الى مذهب آخر سببا كافيا لارتكاب جرائم من النوع الذي يندى له الجبين... تحت شعار المقاومة! هناك في الشويفات منازل لا يسكنها سوى عجائز تجاوز أحدهم التسعين من العمر. وقد اعتدي على هؤلاء وأطلقت النار عشوائيا على محتويات بيوتهم لمجرد أنهم دروز!، هل هناك من أخبر السيد حسن بذلك؟.
كان تمسك قوى 14 آذار بعودة الرئيس فؤاد السنيورة الى السرايا الحكومية خير رد على خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" الذي يقود المعارضة ويسيرها بصفة كونه الممثل الشرعي الوحيد للنظام الإيراني وتابعه السوري في لبنان. فالسنيورة رجل دولة قبل أي شيء آخر. جاء اختيار السنيورة في السياق المنطقي لخطاب القسم الذي ألقاه الرئيس ميشال سليمان بعيد انتخابه. هذا الخطاب يجسد روح اتفاق الدوحة الذي تم التوصل إليه برعاية أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والإشراف المباشر لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، من دون تجاهل للدور المهم لجامعة الدول العربية ممثلة بأمينها العام عمرو موسى الذي انتصرت أخيرا وجهة نظره القائلة أن بداية الحل تكون بتنفيذ نقاط المبادرة العربية. وبداية البداية انتخاب رئيس جديد للبنان يحل محل المرشح السوري الذي اسمه الفراغ.
ظهر في الأيام الأخيرة، خصوصا منذ توقيع اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس جديد، وجهان للوطن الصغير. الوجه الأول لرجال دولة وقفوا في وجه التسلط والميليشيات وفوضى السلاح. هؤلاء كانوا كثر من بينهم النائب سعد الحريري وفؤاد السنيورة والرئيس أمين الجميل والرئيس نجيب ميقاتي والرئيس حسين الحسيني الذي اعتمد الحكمة والحجة في وجه الخفة، والزعيم الوطني وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع ونسيب لحود ونايلة معوض وبطرس حرب والمفتي علي الأمين وفارس سعيد وآخرون... في المقابل كان هناك العقل الميليشيوي الذي جسده خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" والذي يعكس أزمة عميقة يعاني منها الحزب. انها أزمة أقرب الى مأزق من أي شيء آخر، مأزق من يتحدث طويلا عن التطورات في لبنان ولا ينبس ببنت شفة عن المفاوضات غير المباشرة التي يجريها النظام السوري مع إسرائيل. ماذا لدى الأمين العام لـ"حزب الله" ليقوله في حال استعادت سوريا مزارع شعبا نتيجة مفاوضاتها مع إسرائيل؟، هل يعترف عندئذ بأنّ قضية شبعا تقع تحت القرار 242 الصادر في العام 1967 الذي لا علاقة للبنان به؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.