كان خطاب الرئيس ميشال سليمان في جلسة أداء القسم خطاباً متزناً وموزوناً ومتوازناً. كان خطاباً يليق برئيس للجمهورية من المدرسة اللبنانية التقليدية، رئيس يسعى الى أن يكون عهده عهد الوفاق والسلم الأهلي والازدهار الاقتصادي والتفكير بعودة اللبنانيين الى لبنان بدل التفكير في ايجاد وسيلة للخروج منه. كان خطاباً واقعياً بامتياز بعيداً عن أي نوع من العنتريات والمزايدات ميزت خطاب القسم لسلفه في العام 1998. وقد تبين لاحقاً أن ذلك الخطاب المشؤوم الذي ينضح بالحقد على النجاح والناجحين، لم يكن سوى الخطوة الأولى على طريق التخلص من باني لبنان الحديث الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تحدث رئيس الجمهورية الجديد الذي أظهر بالفعل أنه رئيس توافقي، يستحق اللقب عن جدارة، عن كل ما يهم اللبنانيين. تحدث عن الاقتصاد، عن السياسة، عن إعطاء الجنسية للمغتربين، عن الخطاب التخويني المتبادل بين اللبنانيين والذي لا بد من وضع حدّ له. وتحدث خصوصاً عن المحكمة الدولية وعن تمسك لبنان بها وتمسكه أيضاً بقرارات الشرعية الدولية التي ساعدت في عودة الجيش الى الجنوب بعد غياب طويل عنه. وهو أمر كان يجب أن يحصل منذ فترة طويلة لولا إصرار المحور الإيراني السوري على استخدام لبنان "ساحة" والتضحية بأهل الجنوب من أجل وحدة المسارين السوري واللبناني. أين وحدة المسارين بعدما تبيّن أن النظام السوري يبحث عن وسيط مع إسرائيل، وأنه دخل معها، عبر تركيا، في مفاوضات جدية من أجل استعادة الجولان ظاهراً وإعادة إطلاق يده في لبنان حقيقة... بالتفاهم مع إيران طبعاً؟
كان رئيس الجمهورية الجديد في غاية الحكمة عندما تطرق في خطابه الى العلاقات مع سوريا. كان يتكلم بلسان كل لبناني يمتلك حداً أدنى من الوعي بالنسبة الى ضرورة أن تكون هناك علاقات طيبة وحتى متميزة بين لبنان وسوريا. لا مفر من علاقات أكثر من جيدة بين البلدين نظراً الى أن ذلك قدر لبنان وسوريا وقدر اللبنانيين والسوريين. ليس هناك لبناني يقف ضد سوريا. لا وجود لمصلحة لبنانية في إضعاف سوريا، لكن ذلك لا يمنع من الدعوة الى إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين المستقلين. ليس ما يدعو وزير الخارجية السورية السيد وليد المعلم الى الظهور في المظهر الذي ظهر به عندما سمع الرئيس اللبناني الجديد يذكر عبارة العلاقات الديبلوماسية. كان عليه أن يصفق، ولو ببرودة، على غرار ما فعله وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الذي كان الى جانبه... أوليس التصفيق ببرودة ذروة الامتعاض من عبارة ما! ما العيب في العلاقات الديبلوماسية بين سوريا ولبنان؟ أليس ذلك في خدمة البلدين والشعبين، أم أن المعلّم يصدق تلك الكذبة الكبرى التي تقول إن هناك شعباً واحداً في بلدين هما لبنان وسوريا. في الإمكان أن يصير ذلك صحيحاً عندما يصبح الوضع في سوريا طبيعياً وسليماً، أي أن يكون هناك نظام ديموقراطي في سوريا، نظام لا يؤمن بأن الابتزاز هو الوسيلة الوحيدة للتعاطي مع العرب والعالم... نظام يعيد أفضل السوريين الى سوريا. عندئذٍ لن يعود هناك ما يحول دون أن يكون هناك شعب واحد في بلد واحد أو في بلدين. في النهاية، تكمن المشكلة في أن هناك نظاماً سورياً يعتقد أن لبنان "ساحة" وهو لا يدرك أن سوريا نفسها صارت "ساحة" للنظام الإيراني.
قال الرئيس ميشال سليمان في خطاب القسم كل ما كان لا بد من قوله. لم ينس شيئاً، ولم ينس خصوصاً سلاح "حزب الله". سعى بكل بساطة الى معالجة هذه المسألة الشائكة بالطريقة التي لا بد من أن تعالج في إطارها... أي الاستراتيجية الدفاعية لدولة اسمها لبنان. كان اتفاق الدوحة واضحاً في هذا المجال عندما تحدث عن ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة اللبنانية. لقد وافق "حزب الله" على هذه المعادلة بعدما اكتشف أنه ليس قادراً على احتلال بيروت وإخضاعها. عفواً، اكتشف الحزب أن لديه ميليشيا قادرة على احتلال بيروت إلا أن حظه لن يكون أفضل من حظ ارييل شارون عندما فعل ذلك في العام 1982. واكتشف أن الجبل الدرزي المسيحي، الدرزي خصوصاً، ليس لقمة سائغة. هل أدت "غزوة بيروت" الى أكثر من الحصول على "الثلث المعطل"؟ ما الذي يريد "حزب الله" تعطيله؟ هل يريد تعطيل الاقتصاد اللبناني عن طريق احتلال وسط بيروت مجدداً؟
يضحك رفيق الحريري من عليائه. ثبت أن لبنان لا يُقهر. كان لبنان بالنسبة الى رفيق الحريري فعل ايمان أكثرمن أي شيء آخر. كان مهووساً بلبنان. وكان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي رعا اتفاق الدوحة، الذي أوصل اللبنانيين الى مرحلة يتمنون فيها الانتقال من الهدنة الى السلام، في غاية الشجاعة والجرأة عندما قال إن لبنان تغلب على الفتنة وأن لا حاجة الى صيغة غالب ومغلوب ما دام لبنان انتصر. لكن أهم ما قاله أمير دولة قطر كان أنه جاء قبل عامين الى بيروت للاحتفال بانتصار "المقاومة" في المواجهة مع إسرائيل صيف العام 2006. الآن في السنة 2008، يتحدث الشيخ حمد عن "الحكمة". قبل عامين كانت هناك "المقاومة". الآن هناك "الحكمة". الحكمة تأتي قبل غيرها، ولذلك دعا ميشال سليمان في خطاب القسم الى معالجة قضية سلاح "حزب الله" في إطار الاستراتيجية الدفاعية. إنها دعوة الى انقاذ "حزب الله" من "حزب الله"، أي الى اعتماد الحزب التواضع والاقتناع بأن لبنان هو الخيار الوحيد للبنانيين.
هل يمتلك "حزب الله" حرية قراره ليصير لبنانياً؟ متى حصل ذلك، يكون أدى أكبر خدمة لعهد جديد في لبنان يسعى الى الوفاق والسلم الأهلي والازدهار أولاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.