ماذا يعني ما ارتكبه "حزب الله" يوم الأربعاء الواقع فيه السابع من أيار ـ مايو 2008 بلبنان؟ يعني أولا وقبل أي شيء آخر أن الحزب أزال كل وهم في شأن المهمة الموكولة إليه والمتمثلة في تحويل لبنان أو جزء منه الى محافظة إيرانية على غرار ما هو حاصل في جنوب العراق. من يغلق مطار بيروت، مطار رفيق الحريري، بحجة أنه مقاومة إنما يؤكد أنه ليس سوى أداة لا أكثر. إنه أستكمال للحرب الإسرائيلية على لبنان، أو على الأصح فصل آخر في استكمال الحرب نظرا الى أنه لا يمكن فصل إغلاق المطار عن احتلال وسط بيروت عن طريق عناصر من الحزب وأدوات مستأجرة بالمال الإيراني "الطاهر" من نوع ذلك المهرج برتبة جنرال.
كشف "حزب الله" بعد كلّ ما ارتكبه أنه ليس سوى مجرد ميليشيا تابعة للنظام الإيراني ومعارة موقتا للنظام السوري الذي يهرب بأزمته العميقة الى لبنان. يعتقد النظام السوري بكل بساطة أن الهرب الى لبنان واختلاق مشاكل فيه سيفك عزلته العربية والدولية وأن افتعال شرخ مذهبي سني ـ شيعي سيعفيه من المسؤوليات المترتبة عليه تجاه المحكمة الدولية التي ستنظر في قضية اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى التي ارتكبت في لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حماده في أول تشرين الأول ـ أكتوبر من العام 2004 وصولا الى جريمة زحلة الأخيرة وقبلها اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء فرنسوا الحاج وبعده الرائد وسام عيد المسؤول عن المسائل الفنية المرتبطة بالتكنولوجيا المتطورة لدى قوى الأمن الداخلي. كان الرائد عيد المسؤول عن كشف أسرار الاتصالات التي رافقت عملية اغتيال رفيق الحريري والعمليات الأخرى التي تلتها. ولذلك كان لا بد من اغتياله.
ولكن أهم ما كشفه تحرّك "حزب الله" الأخير الذي استهدف بيروت ومطارها تطبيقه لسياسة يتبعها المحور الإيراني ـ السوري منذ ما يزيد على ربع قرن. إنها سياسة قائمة على احتجاز رهائن. تشكل إيران رأس الحربة في هذه السياسة. أخذت إيران سوريا رهينة بعدما صار النظام فيها تحت رحمتها إثر اغتيال رفيق الحريري. وقتذاك، أي في العام 20005، اضطرت سوريا الى الاستعانة بـ"حزب الله" لتسدّ الفراغ الذي خلفه اضطرارها الى سحب جيشها من الأراضي اللبنانية. إنها تستعين بحزب إيراني عناصره لبنانية أخذ الطائفة الشيعية في لبنان رهينة بعدما أقام مجتمعا خاصا به لا علاقة له بالمجتمع اللبناني.
كل ما في الأمر أن هناك سياسة تقوم على مفهوم احتجاز رهائن. وسط بيروت تحوّل الى رهينة. مطار بيروت صار رهينة. لبنان كله رهينة. المطلوب أن يكون لبنان امتدادا للمحور الإيراني ـ السوري و"ساحة" يبتز عبرها العرب وغير العرب. تلك هي السياسة المعتمدة التي تفسّر لجوء "حزب الله" الى التصعيد غير آبه هذه المرة بمخاطر إثارته لفتنة شيعية ـ سنية كانت إيران الى ما قبل فترة قصيرة تقف في وجهها.
أخيرا زالت الأوهام. لم يعد هناك أدنى شك في أن ما يريده "حزب الله" الإيراني هو السيطرة على كل لبنان أو على جزء منه. إنه يريد الحلول مكان الدولة اللبنانية غير آبه بأن ذلك مستحيل لأسباب كثيرة في مقدمها أن اللبنانيين الحقيقيين، على رأسهم الشيعة، يرفضون "حزب الله" ويجدون فيه جسما غريبا زرع في المجتمع اللبناني بوسائل مصطنعة... جسم غريب لم يؤد الى الآن سوى خدمات لإسرائيل. يكفي أن "حزب الله" حزب مذهبي مسلح يضرب الأسس التي تقوم عليها الدولة اللبنانية بديموقراطيتها ومجتمعها المتنوع ليكون في خدمة إسرائيل الدولة الطامحة الى أن تكون دولة يهودية خالصة.
زال الوهم الكبير الذي إسمه "حزب الله" من الأذهان. لم يعد لبناني واحد على قناعة بأن الحزب يعمل من أجل لبنان. هناك الآن قناعة تامة بأن الحزب وضع نفسه في خدمة النظام السوري بشكل مباشر وإسرائيل بشكل غير مباشر من حيث يدري أو لا يدري. ولذلك حال دون انتخاب رئيس جديد للبنان. ولذلك صرح الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل عام بأن مخيم نهر البارد الذي سيطرت عليه عصابة شاكر العبسي الإرهابية السورية "خط أحمر". لم يكن الحزب مقاومة إلا بمقدار ما كانت هذه المقاومة تصب في خدمة المحور الإيراني ـ السوري. ولذلك وجه سلاحه الى صدور اللبنانيين بمجرد أن ذلك يخدم النظام السوري ويساعد في جعل لبنان رهينة لدى المحور الإيراني ـ السوري.
زال خصوصا الوهم الأكبر المرتبط بـ"حزب الله" الذي كان يدّعي أنه مقاومة. وزال معه الوهم الأصغر الذي إسمه الجنرال. لم يغلق أي محل أبوابه في المناطق المسيحية عندما دعا "حزب الله" عبر أدواته الى وعملائه الى إضراب. بقيت الحياة طبيعية في المناطق ذات الأكثرية المسيحية بعدما اكتشف المسيحيون أن ميشال عون ليس سوى كذبة كبيرة ونكتة سمجة في أحسن الأحوال. لكنها نكتة خطيرة أمنت غطاء مسيحيا طوال فترة طويلة استغرقتها محاولة "حزب الله" لأخذ لبنان رهينة لمصلحة أسياده في دمشق وطهران. الى متى لبنان رهينة؟ هل يقبل شرفاء العرب أخذ بلد عربي آمن مسالم رهينة؟ هل يقبل العرب التفرج على محاولة إيرانية لتقسيم بلد عربي في حال اكتشاف النظام في طهران أنه عاجز عن الإستيلاء عليه كله؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.