8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خطورة الاتهامات الأميركية لسوريا..

ليس مهماً أن تكون سوريا تمتلك بالفعل برنامجاً نووياً وأن يكون الإسرائيليون قصفوا مفاعلاً يبنيه السوريون بمشاركة كورية شمالية وبدعم إيراني في منطقة دير الزور. وليس مهما ادعاء الأميركيين والإسرائيليين أن سوريا كانت قادرة على تشغيل المفاعل في غضون أسابيع قليلة وأن الغارة الإسرائيلية حالت دون ذلك. وليس مهماً أن تكون الأوساط الأميركية والإسرائيلية قارنت بين الغارة على ما يسمى المفاعل السوري من جهة والغارة على المفاعل العراقي "أوزيراك" في حزيران من العام 1981 وذلك لمنع العراق، عراق صدّام حسين، من امتلاك السلاح النووي من جهة أخرى.
الأرجح أن الإدعاءات الأميركية والإسرائيلية غير صحيحة. أكثر من ذلك، المرجّح أنها تضليل بتضليل. من يعود الى الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأميركية الى النظام العراقي في العامين 2002 و2003، يدرك أن ليس ما يدعو الى تصديق الأميركيين. وقتذاك أكّد غير مسؤول أميركي أن العراق يمتلك أسلحة للدمار الشامل، وأنه قادر على تهديد أوروبا الغربية بصواريخه، وأن لا حاجة سوى الى خمس وأربعين دقيقة كي يسقط صاروخ عراقي في لندن. تبين بعد ذلك أن كل هذا الكلام مجرد كلام وأن المطلوب كان في حينه تبرير الحرب الأميركية على العراق. ولذلك لا بدّ للنظام السوري، في حال كان بالفعل حريصاً على السوريين، وليس نسخة طبق الأصل عن بعث صدّام العائلي، التنبه الى خطورة ما يُحاك له أميركياً وإسرائيلياً.
إن سوريا عزيزة على قلب كل لبناني. ليس هناك لبناني عربي صادق يريد الشر لسوريا وحتى للنظام السوري الذي لا يرى في لبنان سوى عدو ما دام ليس تابعاً له وفي أمرته. من هذا المنطلق، ثمة ما يدعو النظام السوري الى إعادة النظر في سياساته، هذا إذا كان في استطاعته ذلك. أن السؤال المطروح الآن هل يمكن إنقاذ النظام السوري من النظام السوري؟ هل النظام السوري يمتلك هامشاً من الحرية، أم صار تحت رحمة النظام الإيراني بشكل كلي؟ في حال كان في استطاعة النظام السوري اتخاذ قرار حر يصب في مصلحة سوريا أوّلاً، عليه أن يثبت ذلك بالأفعال وليس بالكلام. لا يوجد أسهل من ذلك. ما على النظام السوري عمله واضح. كل ما عليه هو الوقوف في وجه الذين يعرقلون انتخاب رئيس جديد لبنان. قبل ذلك، على النظام السوري إعطاء تعليماته الى الأداة المعارة له من إيران والمسماة "حزب الله" بالانسحاب من وسط بيروت والتوقف عن الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة. إن احتلال وسط بيروت لا يفيد أحداً. إنه يظهر مدى حقد النظام السوري على لبنان لا أكثر. إنه يظهر مدى الرغبة في نشر البؤس في لبنان وكأن البؤس يسهل على "حزب الله"، وأداته الصغيرة ميشال عون، زيادة انتشارهما على حساب كل ما هو ناجح وحضاري في الوطن الصغير بفضل "المال الطاهر جداً" الذي يوفره النظام الإيراني.
يفترض في النظام السوري إدراك أن الانفتاح على إسرائيل لن يفيده في شيء. كل ما يمكن أن يحصل هو أن إسرائيل ستستغل ذلك من أجل ممارسة مزيد من الضغوط على الفلسطينيين. عليه الاقتناع نهائياً بأن الدور الإقليمي الذي ابتدعه لنفسه وابتُدع له انتهى. من أراد للنظام السوري دوراً إقليميا هو الإدارة الأميركية في عهد هنري كيسينجر. إن تلك الإدارة هي التي أدخلته الى لبنان في العام 1976 من القرن الماضي من أجل وضع اليد على القوات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. من أدخله الى لبنان أخرجه منه. وقد ساعد بنفسه في ذلك عندما ظن أن التخلص من رفيق الحريري سيزيل العقبة التي تقف في وجه خروجه من لبنان. كل ما في الأمر أن الجريمة عجّلت في الخروج لا أكثر... وذلك بدل أن يبحث، عن طريق الحوار، في كيفية الانسحاب بطريقة هادئة وحضارية تحفظ ماء الوجه للجميع، أي للبنانيين والسوريين في آن.
لا بدّ من طي صفحة الماضي، ومن أجل ذلك، إن انتخاب رئيس لبنان والتوقف عن الاغتيالات والتفجيرات والاحتلالات يمكن أن يساعدا النظام السوري في إعادة تأهيل نفسه بعيداً عن الأوهام التي أحاط نفسه بها. على النظام في دمشق التعلّم من درس اغتيال الرئيس الحريري. لم تساعده الجريمة في الخروج من الأزمة العميقة التي يعاني منها، بل أدخلته في دوامة أزمات أخرى على رأسها المحكمة الدولية وجعلته تحت رحمة إيران أكثر من أي وقت. إن انتخاب رئيس للجمهورية سيظهر للعالم أنه تعلّم شيئاً من تجارب الماضي القريب وأنه على استعداد للتعاطي مع الأسرة العربية أوّلاً ومع الأسرة الدولية في مرحلة لاحقة بما يفيد أنه فهم طبيعة المرحلة. لا يوجد حالياً أي طرف عربي يقبل باستمرار الفراغ الرئاسي في لبنان. وحدها إيران تريد ذلك كونها تعتبر لبنان ورقة في المواجهة القائمة بينها وبين الولايات المتحدة. ولأنّ إيران تدفع في هذا الاتجاه، يظهر أن النظام السوري تراجع عن تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وانعكس التراجع السوري الذي تقف خلفه إيران على تصرفات رئيس مجلس النواب السيّد نبيه برّي الذي انتقل بقدرة قادر من التسهيل الى العرقلة.
لا مفر من العودة الى السؤال الأساسي: الى أي درجة يمتلك النظام السوري هامشاً للمناورة في لبنان؟ أليس تمكن "حزب الله" الإيراني من ملء الفراغ الذي خلفه انسحابه العسكري من البلد الجار دليلاً على أن الهامش السوري ضاق الى حد كبير، وأن الضغوط الأميركية، بما فيها التلويح بامتلاكه مشروعاً نووياً لن تلقى سوى آذان صمّاء نظراً الى أن ليس في دمشق من يفهم مدى خطورتها، علماً بأن من يفهم معنى الرسالة الأميركية هناك عاجز عن أي رد فعل إيجابي؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00