هل يستطيع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الإتيان بضمانات للنظام السوري بالنسبة الى بقائه؟ هذا هو السؤال الكبير وربّما الوحيد. إنه السؤال الأساسي والمحوري المطروح بعد الزيارة التي قام بها أردوغان لدمشق ومحادثاته مع الرئيس بشّار الأسد. الموضوع ليس موضوع الجولان. الجولان ليس مهماً بالنسبة الى النظام السوري الذي سبق له وتخلى عن لواء الإسكندرون الذي ضُمّ الى تركيا والذي كان الى ما قبل فترة قصيرة "اللواء السليب". ليس ما يمنع التخلي عن الجولان في حال كان مطلوباً المحافظة على النظام. المعركة الدائرة حالياً هي معركة النظام. هذا النظام الذي يبدو عاجزاً عن الحرب وعن السلام وعن الجواب عن الجرائم التي ارتكبها في لبنان.
ما يحاول النظام السوري عمله هو كسب الوقت. يظن أن الوقت سيساعده في تجاوز الأزمة العميقة التي يعاني منها، والتي جعلته يقدم على جريمة اغتيال رفيق الحريري التي مهّد لها بجريمة التمديد لأميل لحود ومحاولة اغتيال مروان حماده. هل يعي رئيس الوزراء التركي ذلك؟ هل يعي أن مشكلة النظام السوري تكمن في اعتقاده أن في استطاعته الأخذ والرد مع الإسرائيليين عبر الأتراك لشهور عدّة في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية وإدارة جديدة يستطيع أن يجرّب حظّه معها. مثل هذه الإدارة التي لن تتسلم مهماتها قبل كانون الثاني 2009، ستحتاج الى أشهر عدة قبل أن تبلور لنفسها سياسة شرق أوسطية واضحة يمكن أن ترتكز على حوار مع دمشق من دون شروط مسبقة، كما يمكن أن تكون استمراراً لسياسة الإدارة الحالية التي تصر على تنفيذ شروط معينة قبل الدخول في أي حوار في العمق مع النظام السوري.
بإختصار شديد، إن اللعب على تركيا ليس سوى تتمة لسياسة الهرب الى أمام التي بلغت ذروتها بالإقدام على اغتيال رفيق الحريري، واستمرت بعد ذلك عن طريق التفجيرات والاغتيالات الأخرى، وجرّ "حزب الله" الى افتعال حرب الصيف في العام 2006. لم يؤدِ ذلك الى نتيجة، مثلما لم يؤدِ الى نتيجة خيار الفراغ الرئاسي في لبنان وقبله محاولة إرباك الحكومة اللبنانية والجيش عن طريق احتلال "حزب الله" وأداته المسماة الجنرال السمج وتوابعه الممتلكات العامة والخاصة في وسط بيروت... أو إرسال عصابة شاكر العبسي الإرهابية الى مخيم نهر البارد.
في الذكرى الثالثة لانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية، في الإمكان فهم ذلك الحقد على لبنان واللبنانيين. في النهاية إن الانسحاب ليس سوى تكريس لفشل سياسة عمرها ثلاثون عاماً وأكثر استندت الى شعار واحد وحيد هو أن الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على إسرائيل. يتبين الآن أن لبنان ككيان أقوى بكثير مما يعتقد، وأنه في حال أراد النظام السوري إعادة تأهيل نفسه وفك عزلته، لن يستطيع ذلك من دون تقديم تنازلات في لبنان. كل ما يمكن أن يفعله التركي هو خلق انطباع بأن ثمة تحريكاً للمسار السوري ـ الإسرائيلي. هذا الانطباع يخدم النظام في دمشق الساعي الى كسب الوقت من جهة، وحكومة ايهود أولمرت الساعية الى التهرب من أي قرارات على الصعيد الفلسطيني من جهة أخرى. أما تركيا حزب العدالة، ففي استطاعتها أن تظهر في مظهر من صار قادراً على استعادة بعض الأمجاد القديمة لدولة كانت في الماضي امبراطورية.
ما هو أهم بكثير من الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، استيعاب النظام في دمشق أن كل سياسته اللبنانية مبنية على افتراضات خاطئة أقرب الى الأوهام من أي شيء آخر. في طليعة الافتراضات أن الوطن الصغير كيان مصطنع. إن بلداً يصمد في وجه كل الويلات التي تعرّض لها منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً ليس مصطنعاً. أكثر من ذلك، إذا كان لبنان مصطنعاً، ما الذي يمكن قوله عن الكيان السوري والتركيبة الداخلية للبلد والنظام ولحزب البعث ذاته؟ متى استوعب النظام السوري هذه المعادلة، وتوقف عن اعتبار لبنان رهينة لا أكثر يستخدمها في ابتزاز العرب وغير العرب، في الإمكان الحديث عن بداية خروج من المأزق والأزمة.
بكلام أوضح، الاعتراف بلبنان هو المدخل. وبداية الاعتراف بالخطأ تكون بالكفّ عن استخدام "حزب الله" في عملية لا هدف لها سوى منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إن انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الخطوة الأولى نحو بدء فك العزلة التي يعاني منها النظام السوري الذي بدأ يتلقى نصائح من أقرب العرب اليه بأنّ عليه التوقف عن تعطيل الانتخابات الرئاسية. متى حصلت انتخابات رئاسية، يكون هناك دليل على بداية استيعاب سوري لطبيعة العلاقة مع لبنان، ولما يجب أن تقوم عليه العلاقة. لا ينفع الهرب الى إسرائيل عبر تركيا لتفادي الاعتراف بلبنان الدولة الحرة السيّدة المستقلة. ليس أمام النظام السوري سوى لبنان يثبت من خلاله أنه تعلّم شيئاً من تجارب الماضي... ليس أمامه سوى أن يجرّب حظه في لبنان وليس مع إسرائيل وتركيا مع الرهان على تغيير في واشنطن قد يحصل وقد لا يحصل. ليس أمامه سوى تغيير سلوكه تجاه الشقيق الأصغر لعلّ وعسى يفيده ذلك في شيء.... أما الباقي، أي المحكمة الدولية، فعلى الله!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.