هل يمكن إعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان أم أن ذلك ممنوع بقرار سوري؟ الجواب أن ذلك ممكن، ولو في حدود معيّنة، في حال استجاب رئيس مجلس النواب السيد نبيه برّي لمطالب الشعب اللبناني وأعاد فتح مجلس النواب. ستكون هناك عندئذ بداية عودة للحياة السياسية نظرا إلى أن مجلس النواب هو المكان الوحيد الذي يدور فيه حوار بين ممثلي الشعب اللبناني كافة استناداً إلى الأصول الشرعية بدل الاستمرار في تجاوز الأصول تحت شعارات مختلفة من بينها الحوار. هل هناك شيء اسمه الحوار من أجل الحوار؟
هناك إطار للحوار في لبنان. هناك مؤسسات أقيمت أصلا من أجل أن تكون مكانا للحوار. لا حياة سياسية في لبنان خارج مجلس النواب. كل ما عدا ذلك يعتبر انقلاباً على النظام اللبناني ليس أكثر. يُفترض في رئيس مجلس النواب الذي يدور حالياً من عاصمة عربية إلى أخرى في محاولة لشراء الوقت للنظام السوري أن يقرر هل هو لبناني أم لا، هل يريد تجاوز المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك المؤسسة التي يرئسها؟ يفترض فيه أن يقرر هل يريد العمل من أجل لبنان أم وضع نفسه في خدمة النظام السوري؟ الأكيد ان نبيه بري لا يحتاج إلى شهادة في لبنانيته من أي شخص كان، لكن السؤال الذي يظل مطروحاً في استمرار هل هو رجل حرّ؟ هل يستطيع التصرف بموجب ما يمليه عليه الدستور اللبناني وقوانين الوطن الصغير وتقاليده أم أنه شريك صغير، لاحول له، في الانقلاب الذي ينفّذ بواسطة "حزب الله" الإيراني المُعار موقتا للنظام السوري وأداته المسيحية السمجة المسمّاة "الجنرال"؟
يبدو لبنان آخر هموم رئيس مجلس النواب اللبناني. همه الأول إنقاذ النظام السوري من الورطة التي أدخل نفسه فيها منذ أرتكب جريمة التمديد لأميل لحود ومنذ باشر عمليات الاغتيال والتفجير في لبنان ومنذ اتخذ قراره بالتخلص من الرئيس الشهيد رفيق الحريري. المؤسف أنه منذ وقعت الجريمة الكبرى في حق لبنان واللبنانيين ورئيس مجلس النواب يتصرف بطريقة أقل ما يمكن أن توصف به أنها مريبة. يكفي أنه حال دون إقرار المحكمة الدولية في مجلس النواب كي لا يُقال يوماً إنه سهّل من قريب أو بعيد مساس النظام السوري. أعتقد رئيس مجلس النوّاب أن عرقلة قرار المحكمة في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب ستحول دون إقرارها. أستخف بتصميم المجتمع الدولي على المحكمة الدولية معتقداً أن هناك في العالم من سيحول دون وصول مجلس الأمن إلى إقرار المحكمة بموجب الفصل السابع. واستخفّ خصوصا بالإرادة اللبنانية الصلبة المصرّة على المحكمة من أجل وقف مسلسل الجرائم التي يتعرض لها لبنان منذ فترة طويلة ووضع حدّ نهائي له بعيدا عن أي نوع من أنواع الانتقام.
الظاهر، أن المهم بالنسبة إلى الرئيس بري قيامه بواجباته السورية بدل تأديته واجباته الدستورية متجاهلا أن الطائفة الشيعية في لبنان من المكونات الأساسية للوطن الصغير. أن دور الطائفة، أي طائفة، مرتبط في النهاية بقرارها المستقل وبخدمة الكيان اللبناني الذي يؤمن الحماية لكل الطوائف. لا دور لطائفة عن طريق التبعية للمحور الإيراني ـ السوري الساعي إلى إلغاء الوطن الصغير. من يراهن حالياً على المحور الإيراني ـ السوري إنما يسعى إلى إلغاء لبنان وتكريسه "ساحة". ولذلك، يبدو أكثر من ضروري أن يعود الرئيس بري إلى نفسه وأن يتخذ قرارا واضحاً يقضي بإعادة فتح مجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. من يربط انتخاب رئيس جديد بشروط أخرى من نوع الاتفاق على أسماء الوزراء والحقائب من الآن وعلى قانون الانتخابات إنما يسعى إلى الفراغ. من يفعل ذلك يؤيد استمرار الفراغ خدمة للنظام السوري الذي يحتجز لبنان رهينة يريد مبادلتها بصفقة في شأن المحكمة الدولية مع الإدارة الأميركية.
من هذا المنطلق، تبدو الحاجة ماسة إلى تغيير في استراتيجية الحركة الإستقلالية اللبنانية التي تقودها 14 آذار. لا يعني ذلك أن المطلوب الابتعاد عن التركيز على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل غد، لكن هذا التحرك يجب أن ترافقه حملة عربية ودولية من أجل إدانة ما يقوم به رئيس مجلس النواب الذي أغلق البرلمان ووضع المفتاح في جيبه. ما يفعله نبيه برّي لا مثيل له في العالم. ما يفعله يمثل مشاركة فعلية في الانقلاب على النظام اللبناني لمصلحة النظام السوري بدل أن يؤكد باسم الطائفة الشيعية الكريمة وبالفم الملآن أن لا وجود لأي نوع من العقد لدى شيعة لبنان، لا تجاه النظام السوري ولا تجاه النظام الإيراني الساعي إلى المتاجرة مرة أخرى بأهل الجنوب من أجل صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر الإسرائيلي". على العكس من ذلك، أن أي لبناني قادر على إعطاء شهادات في الوطنية لنظام إيراني لم يفعل حتى الآن سوى خدمة اسرائيل بكل الوسائل المتاحة ولنظام سوري لم يطلق طلقة من الجَوْلان المحتل منذ العام 1974.
لا توجد طائفة لبنانية لم ترتكب خطيئة في حق لبنان. كل طائفة من الطوائف أصيبت بمس جنون في مرحلة معينة، خصوصاً عندما استقوت بالخارج كي تنتصر على الآخرين. هل يتعلم نبيه بري من تجارب الآخرين ويتذكر أن النظام السوري لا يحمي أحداً في لبنان؟ من يحمي لبنان وكل طائفة فيه هو المؤسسات اللبنانية على رأسها مجلس النواب، المؤسسة الأم، التي يعمل رئيسها على إلغائها. لا أحد يلغي أحدا في لبنان. من يتوصل إلى هذا الاقتناع يسهل عليه اتخاذ قرارات وطنية. ولكن مرة أخرى، هل يمتلك نبيه بري حرية قراره؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.