8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الكويت في مواجهة المرحلة الانتقالية

كان الملتقى الاعلامي العربي الخامس الذي استضافته الكويت قبل أيّام مناسبة للتأكد من مدى التطور الذي تشهده دول الخليج العربية هذه الأيام على الرغم من التعقيدات التي تشهدها المنطقة والمخاطر التي تمر فيها. لم تعد في دول الخليج محرمات. صار الكلام الصريح عن الأصلاحات والديموقراطية وحقوق المرأة أمراً عادياً. بات الأمر يناقش بهدوء. ثمة مجال لطرح كل الآراء كي تتواجه في ما بينها، ولكن من دون تحول المواجهة إلى صدام... حتى عندما تتعرض إحدى النساء إلى مسألة الحجاب! كان هناك شبه اجماع لدى الذين شاركوا في الملتقى الذي كان نجمه غسان تويني ولبنان والذي نظّمه الزميل ماضي الخميس استثنائياً بكل المقاييس. تحدثت مي شدياق عن معاناة لبنان من خلال معاناتها. لم تترك مجالاً لأدنى شك في الجهة التي تقف وراء الاغتيالات والارهاب الذي يستهدف لبنان. وتحدثت السعودية نادين البدير بكل جرأة عن تجربتها كامرأة تعمل في مجال الاعلام. وتحدثت الأردنية من أصل فلسطيني منتهى الرمحي عن تجاوزها القيود العائلية تمهيداً لدخول حقل الأعلام. وقدّمت نيكول تنوري عرضاً أتسم بالروح العلمية للعقبات التي تواجه امرأة اختارت الاعلام مهنة لها. ووقف غير مشارك مشدوهاً أمام جرأة الكاتبة الكويتية اقبال الأحمد واستمع الحاضرون بتهيب للدكتورة بروين حبيب، وهي من البحرين، تعرض تجربتها... ولما تستطيع أمرأة شجاعة تحقيقه على صعيد تطوير المجتمع وذلك من خلال القطرية الدكتورة إلهام بدر التي تحدت باكراً تقاليد المجتمع الذكوري.
كانت الجلسة مع النساء التي أدارها رجل، هو النجم التلفزيوني نيشان دير هاروتيات، مؤشراً إلى الرغبة في تجاوز القيود التقليدية من دون عقد ولكن مع المحافظة على القيم الحقيقية للمجتمع الخليجي بعيداً عن أي نوع من التعصب أو التزمت أو أي انتقاص من حقوق المرأة.
كذلك، كان الملتقى مناسبة لرؤية الحراك السياسي الذي تشهده الكويت، الدولة الصغيرة المحاطة بجيران كبار والتي تمر في مرحلة انتقالية بكل معنى الكلمة خصوصاً على الصعيد الداخلي. بعد الحرب على العراق التي أدت إلى زوال نظام هدد وجود الكويت المسالمة وعطل الحياة فيها فترة من الزمن، يبدو الهم الكويتي منصباً على اللحاق بركب التطور الذي شهدته بقع معينة في الخليج. ولذلك تخوض الكويت حالياً حرباً على جبهتين متلازمتين هما السياسة والأقتصاد. والسياسة تعني هنا قبل كل شيء الأصلاحات الداخلية بهدف تكريس دولة المؤسسات والقانون. تسارعت الأصلاحات في الكويت منذ صار الشيخ صُباح الأحمد أميراً. وجد الشيخ صباح الذي يُعتبر أقدم وزير للخارجية في العالم أن لا بد من اعادة تكييف الوضع الداخلي على قياس التطورات الأقليمية، فأطلق الحريات العامة إلى حدود عالية. تكرس في عهده حصول المرأة على حقوقها السياسية كاملة فشاركت للمرة الأولى في التصويت والترشح للانتخابات، وأُقرّ قانون جديد للاعلام أدى إلى الانتهاء من احتكار الصحف الخمس للساحة الأعلامية. وسمح القانون بأن تكون هناك تلفزيونات خاصة. ترجمة ذلك، أن في الكويت اليوم 12 صحيفة يومية وتلفزيونات خاصة عدة أولها تلفزيون "الراي". وهناك الآن طلبات للحصول على نحو عشرين رخصة لتلفزيونات خاصة. أنها فورة اعلامية لم تشهد البلاد شبيها لها الماضي، وهي تترافق مع حركة بناء ناشطة وتوسع اقتصادي في كثير من المجالات على رأسها القطاع المالي والمصرفي.
تكمن أهمية ما يدور في الكويت حالياً في وجود رغبة حقيقية لدى الحكم في العمل بموجب القانون ولا شيء غير القانون. لذلك، رفع الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيس الوزراء شعاره المشهور "مسطرتي القانون". يذكر شعاره بذلك الذي اعتمده الرئيس فؤاد شهاب: "شو بيقول الكتاب". إلى الآن دفع الشيخ ناصر غالياً ثمن التمسّك بتطبيق القانون، لكنه لم يتراجع قيد أنملة. وفي هذا المجال يقول وزير بارز: هل سمعت يوماً أن في العالم حكومة ترفض الرقابة على الصحف والمطبوعات، فيما يطالب نواب بها؟ هل سمعت يوماً بحكومة تسعى إلى إقرار قوانين اقتصادية عصرية تشجع الأستثمار والمستثمرين، فيما النواب يعرقلون ذلك؟ هل سمعت يوماً بحكومة ترفض البناء على أرض الغير ومخالفة قوانين البناء فيما يصر النواب على استمرار المخالفات؟
تمر الكويت في مرحلة انتقالية. تواجه تحديات خطيرة عائدة إلى الوضع الأقليمي المعقد. من يستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في العراق؟ من يستطيع تحديد نوع المواجهة التي ستحصل بين ايران من جهة والمجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة من جهة أخرى بسبب البرنامج النووي الايراني؟ في هذه المرحلة الانتقالية التي تفرضها الظروف والاوضاع الاقليمية، ليس في استطاعة دولة صغيرة مثل الكويت سوى تحصين نفسها من داخل عن طريق اعتماد القانون والتمسك به بما يعزز الحس الوطني لدى الكويتيين. وحده التمسك بالقانون والمؤسسات يسمح بالتفكير في المستقبل وفي كيفية توظيف العائدات النفطية المرتفعة في مشاريع أساسية تخدم المواطن في المدى الطويل. وبين هذه المشاريع تطوير حقول الشمال النفطية وتأسيس مدن جديدة...
ليس صدفة أن أمير الكويت اختار حل البرلمان معتمداً على الدستور، علماً بأنه يمتلك كل الصلاحيات بما في ذلك تلك التي تخوله اغلاق المجلس النيابي (مجلس الأمة) الذي عرقل كل المشاريع التي تصب في تطوير البلد وتحسين الوضع المعيشي للمواطن. انه خيار واضح. القانون والدستور يحميان الكويت وليس المزايدات. في النهاية، القانون الدولي هو الذي حمى الكويت عندما تعرّضت لظلم ليس بعده ظلم عندما أقدم صدّام على مغامرته المجنونة في العام 1990. هل يتذكر المزايدون في الكويت وخارج الكويت ذلك؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00