من لديه أدنى شك في أن لبنان يتعرّض لمحاولة انقلابية، يستطيع العودة الى وقائع قمة دمشق. الرئيس السوري بشّار الأسد يؤكد أمام القمة أن بلاده لا تتدخل في لبنان وأن الآخرين يضغطون عليها من أجل التدخل. لا تتضمن هذه العبارة كلمة على علاقة بالحقيقة من قريب أو بعيد. الصحيح أن النظام السوري يتدخل في لبنان على كل المستويات ويرسل أسلحة وأرهابيين من طراز شاكر العبسي الى الوطن الصغير. أنه يعمل على تعطيل الحياة فيه عن طريق تمدد "حزب الله" الذي ليس سوى ميليشيا إيرانية ذات عناصر لبنانية وذلك في مختلف المناطق. يستهدف التمدد توسيع رقعة المربعات الأمنية التي يسيطر عليها الحزب والواقعة خارج سيطرة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية.
يراهن النظام السوري على الوقت بهدف تفتيت لبنان. ولذلك، قلب بشّار الأسد الحقائق رأسا على عقب كما لو أن هناك عربيا من الذين شاركوا في القمة يمكن أن يصدّق أي كلمة تصدر عنه في شأن لبنان. كل ما في الأمر أن الفراغ لا يزال المرشح الوحيد للنظام السوري في غياب قدرته على الإتيان بأميل لحود آخر رئيسا للجمهورية. نعم من الصعب إيجاد أميل لحود آخر، أي رئيس للجمهورية يرفض ارسال الجيش الى الجنوب، بعد الانسحاب الإسرائيلي منه وحتى قبل ذلك، كي يبقى "ساحة" للسوريين والإيرانيين يسعون من خلالها ألى عقد صفقات مع الأميركي والإسرائيلي... مستخدمين الوجود العسكري لـ"حزب الله".
يقرأ النظام السوري من كتاب قديم يعود الى الأعوام 1983.
و1984و1985. أستطاع وقتذاك تعطيل الحياة في بيروت وإعادة خطوط التماس الى المدينة وتعطيل مؤسسات الدولة، خصوصا الحكومة. كانت تلك السنوات التي مهدت في العام 1987 لعودة القوات السورية ألى بيروت بحجة ضبط الأوضاع فيها بغطاء أميركي. وافق الأميركيون على العودة بعدما تلقوا تعهدا سوريا بوقف خطف الأجانب في العاصمة اللبنانية. وبالفعل أضطر "حزب الله" الى اطلاق الأميركي الوحيد الذي خطفه بعد عودة السوريين الى بيروت. كان الأميركي المخطوف صحافيا أسمه تشارلي غلاس. ويصرّ غلاس، الى الآن، على أنه أستطاع الهرب من مكان احتجازه في الضاحية الجنوبية من دون اعطاء أي تفاصيل عن عملية الفرار. ربما يفعل ذلك إلتزاما لوعد قطعه يقضي بعدم كشف الظروف التي رافقت اطلاقه والضغط الذي مارسه السوريون على الخاطفين. أو ربما أن عملية الخطف كانت من أولها مسرحية تستهدف أن تظهر دمشق للجانب الأميركي أنها تلتزم تعهداتها كما جرت العادة عندما كان الرئيس حافظ الأسد في السلطة!
يراهن النظام السوري على الوقت من أجل العودة الى لبنان المفتت. أنه نظام عاجز عن أستيعاب فكرة أن تذاكي وزير الخارجية السيّد وليد المعلّم ليس في محله وأن الطفل يدرك قصد المعلّم من تفسير المبادرة العربية بأنها تتضمن سلسلة شروط مترابطة ولا تعني أن على النواب اللبنانيين انتخاب رئيس للجمهورية، هو المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان أوّلا. أما تنفيذ البنود الأخرى من المبادرة فيأتي بعد انتخاب رئيس الجمهورية وبما يتفق مع روح المبادرة التي تطالب بأن لا يكون للموالاة أكثرية الثلثين في مجلس الوزراء وألا يكون للمعارضة الثلث المعطل. في الواقع تستهدف المبادرة العربية اعطاء وزن للرئيس البناني الجديد وهي تتعارض بذلك تعارضا كليا مع النظرية السورية القائمة على فكرة أن ساكن القصر الرئاسي في بعبدا ليس سوى موظف في الرئاسة السورية برتبة مدير عام في أحسن الأحوال كما كانت عليه حال أميل لحّود. أليس ذلك انقلابا على اتفاق الطائف ودستور الطائف الذي حظي بغطائين عربي ودولي في حينه؟
غابت عن العرب خطورة الطرح السوري في قمة دمشق. لم يعترض أحد لا على بشّار الأسد ولا على وليد المعلّم، ربما أرادوا تمرير القمة التي يمكن وصفها بالتافهة وليس ب7-7-الباهتة7-7- على حد تعبير الزعيم الوطني وليد جنبلاط.
يغيب عن بال النظام السوري، الذي يظن أن الأميركيين سيأتون أليه عاجلا أم أجلا لعقد صفقة على حساب لبنان يتوّج بها الانقلاب الذي يقوده داخل الوطن الصغير، أن أمورا كثيرة تغيّرت أن في لبنان أو في المنطقة. من أبرز ما تغيّر ان السوري صار تحت رحمة الإيراني في لبنان بعدما كان الإيراني يعتمد عليه في الثمانينات ألى حد كان مسموحا له ضبط 7-7-حزب الله7-7- ضمن حدود معيّنة. وما تغيّر أن السنّة بالتحالف مع الطوائف الأخرى نزلوا ألى الشارع وأخرجوا القوّات السورية من أرض لبنان أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وما تغيّر أيضا أن هناك القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن الذي غيّر كليا المعطيات على الأرض في جنوب لبنان. وهناك خصوصا المحكمة الدولية التي ستنظر في قضية أغتيال الرئيس الحريري ورفاقه والأغتيالات والتفجيرات الأخرى. أكثر من ذلك، هناك صمود لبناني في وجه المحور الإيراني ـ السوري لم يكن أحد يتوقعه لا في دمشق ولا في طهران. من مظاهر الصمود مقاطعة لبنان لقمة دمشق. أثبتت المقاطعة أن لبنان يعرف ما يريد وأن في أساس المشكلة العلاقات اللبنانية ـ السورية. وفي أساس الأساس الأزمة العميقة التي يعاني منها النظام السوري الذي أنتهى تابعا لطهران بدل أمتلاك الجرأة التي تمكنه من التعاطي مع مسببات هذه الأزمة. أنه نظام في عملية هروب مستمرة الى أمام. ربما ذلك ما يفسر كلام وليد المعلّم في حديث مع فضائية "أي.أن.بي7-7- عن أن هناك من عرض على النظام السوري صفقة في شأن المحكمة الدولية في حال قبل بانتخاب رئيس جديد للبنان. كل ما في الأمر أن وزير الخارجية السورية خلط بين تمنياته والواقع، فيما كان يمارس اللعبة المضلة للنظام ... لعبة الهروب الى أمام!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.