عشية انعقاد القمة العربية في دمشق، وقد تبين بعد اختتامها أنها قمة بتراء في أحسن الأحوال، كان السؤال هل في استطاعة القمة الإرتقاء إلى مستوى خطاب رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة؟ تبين أن القمة عاجزة عن ذلك ما دام الرئيس السوري بشار الأسد يصر على لغته الخشبية التي لا تقدم ولا تؤخر بمقدار ما أنها تشير إلى رفض الأعتراف بالواقع الجديد القائم في لبنان. لبنان خرج بكل بساطة من تحت الوصاية ولم يعد في استطاعة النظام السوري، مهما طال الزمن الهرب من مواجهة الأعتراف به كدولة عربية حرة مستقلة واقامة علاقات ديبلوماسية طبيعية بين بيروت ودمشق فضلا بالطبع عن ترسيم الحدود بين البلدين الجارين. كان كلام السيد وليد المعلّم وزير الخارجية السوري في المؤتمر الصحافي المشترك مع السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية خير دليل على مراوحة الوضع السوري مكانه. كشف كلام الوزير المعلّم أن لا أمل في اتخاذ النظام السوري موقفا ايجابيا من لبنان. إنه رهان على أن الإستثمار في لعبة خلق الأزمات في الخارج، خصوصا في لبنان، سيغطي على الأزمة العميقة التي يعاني منها النظام السوري، تلك الأزمة التي تجعل منه رجل المنطقة المريض بامتياز.
عندما يقول وزير الخارجية السوري إن تفسيره للمبادرة العربية يقتصر على الترابط بين بنودها، فأنه يعلن صراحة أن دمشق ترفض انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وأنها لا يمكن أن تقبل سوى برئيس لبناني تسميه بنفسها. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان ميشال سليمان أنتخب رئيسا منذ أواخر العام الماضي عندما قبلت به حركة الرابع عشر من آذار مرشّحاً توافقياً بعدما كان إلى ما قبل فترة قصيرة المرشح المفضّل للمعارضة. منذ متى تشكّل الحكومة اللبنانية قبل انتخاب رئيس الجمهورية وتفرض على الرئيس الجديد فرضاً؟ منذ متى يغلق مجلس النواب أبوابه لمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
يفترض بالنظام السوري الخروج من هذه العقدة، عقدة اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية وفرضه وفرض حكومة معينة عليه، في حال كان يريد بالفعل التطلع الى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي. المستقبل لا علاقة له بما اتخذته قمة دمشق من قرارات. المستقبل على علاقة بأسئلة حقيقية من نوع تلك التي طرحها رئيس مجلس الوزاء اللبناني في خطابه عشية القمة. كان خطاب لبنان القمة خطاب افتتاح على الرغم من أنه قاطعها. كان لبنان عبر قرار المقاطعة اللاعب الأبرز في القمة. كانت رسالته واضحة وفحواها أن المشكلة في الوطن الصغير ليست داخلية بين اللبنانيين، نظرا الى أن الدستور يحسم أي مشاكل من هذا النوع. المشكلة بكل بساطة هي مستقبل العلاقات السورية ـ اللبنانية، أي العلاقة بين دولتين ترفض احداهما الإعتراف بأن عليها الإهتمام بشؤونها الداخلية أولا وتأمين الخبز والماء والكهرباء والعيش الكريم لشعبها... والعمل على تحرير أرضها المحتلة بدل العمل من منطلق أن الإنتصار على لبنان بديل من الإنتصار على اسرائيل وأن استكمال الحرب الإسرائيلية على لبنان يعوض العجز عن الإنتماء إلى العالم المتحضر وإقامة علاقات طبيعية به.
باختصار شديد، كرست قمة دمشق حال العجز العربية. وكرّست في الوقت نفسه الإنقسامات العميقة التي يعاني منها العالم العربي. هناك حسنة وحيدة لقمة دمشق. تكمن الحسنة في أنها كشفت حقيقة النظام السوري لمن كانت لا تزال لديه أوهام في شأن الدور الذي يلعبه هذا النظام. إنه نظام يستضيف قمة عربية ويشارك في الوقت ذاته في ثلاث حروب أهلية عربية ويغذيها بكل الوسائل المتاحة بناء على طلب الوصي عليه في طهران. هناك تشجيع على حرب أهلية في لبنان عبر تمرير السلاح لميليشيا إيرانية ذات عناصر لبنانية أسمها "حزب الله". هذا الحزب الذي يوجه سلاحه الى صدور اللبنانيين ويعمل على تهجيرهم من أرضهم. وهناك مشاركة سورية في الحرب على السلطة الوطنية الفلسطينية وهناك تهريب لأسلحة وإرهابيين الى العراق. هل هذا هو قلب العروبة النابض... الهارب يومياً من أزمته العميقة؟
لا دور عربياً لسوريا في ظل النظام الحالي الرفض أن يطرح على نفسه الأسئلة المرتبطة بالواقع التي يمكن أن تخرجه من أزمته ومن تحوله الى رجل المنطقة المريض. في مقدم الأسئلة هل يستطيع النظام التخلص من الوصاية الإيرانية أم أصبح الوقت متأخرا؟ هل في استطاعته اقامة علاقات طبيعية مع لبنان؟ هل في استطاعته التوقف عن لعب دور المشجع على الإقتتال الفلسطيني الفلسطيني؟ هل يستطيع الأمتناع عن لعب الدور التخريبي الذي يلعبه في العراق بالتنسيق مع النظام الأيراني؟
كانت القمة العربية امتحاناً للنظام السوري. لو عرف كيف يرتقي الى مستوى خطاب فؤاد السنيورة، لكان نجح فيه وأهّل نفسه لمواجهة الإمتحان الجديد الذي ينتظره، وهو امتحان المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه على رأسهم النائب باسل فليحان والجرائم الأخرى بدءا بجريمة التمديد لإميل لحود ومحاولة اغتيال الوزير مروان حماده وصولا الى اغتيال الرائد وسام عيد مسؤول الجهاز الفني في قوى الأمن الداخلي.
طويت صفحة القمة العربية وفتحت صفحة المحكمة الدولية. المحكمة صارت جاهزة ولا تنفع معها محاولات التذاكي من نوع القاء مشكلة انتخابات الرئاسة اللبنانية على اللبنانيين. إنها مشكلة سورية أوّلاً وتعبير صارخ عن عمق الأزمة الداخلية لدى نظام ليس قادراً لا على الحرب ولا على السلام يرفض الإعتراف بأن من أدخله الى لبنان أخرجه منه وأن الجرائم لا تغطى بالهروب الى أمام ... أي بجرائم أخرى أكبر منها!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.