لا قيمة تذكر لقمة دمشق ما دام ليس في استطاعة العرب تسمية الاشياء بأسمائها وتحديد من المسؤول عن تعطيل المبادرة العربية في لبنان. كيف يمكن للعرب ان يجتمعوا فيما النظام السوري المتحالف مع النظام الايراني يتابع حملته الهادفة الى تكريس الفراغ الرئاسي في لبنان عبر تعطيل كل المؤسسات الشرعية اللبنانية الواحدة تلو الاخرى. لم يعد ينقص سوى تعطيل مؤسسة مجلس الوزراء التي تقف حاليا في وجه عملية اسقاط لبنان وتفتيته.
ما يشهده لبنان حالياً محاولة جديدة لالغاء البلد عن طريق ميليشيا مسلحة تتلقى اسلحة وتمويلاً من ايران عن طريق الاراضي السورية. في العام 1990، حاول صدّام حسين شطب الكويت عن خريطة المنطقة بعدما جعلها المحافظة العراقية الرقم 19. في العام 2004، بدأت جهود سورية مماثلة لا هدف لها سوى تأكيد ان لبنان ليس سوى محافظة تابعة للجمهورية السورية. كانت الخطوة الاولى على هذا الطريق التمديد لاميل لحود في رئاسة الجمهورية في ايلول من تلك السنة. لم يكن الهدف من التمديد الذي امر به الرئيس بشّار الاسد وفرضه بالقوة على النوّاب اللبنانيين حماية النظام السوري فحسب، بل تكريس امر واقع ايضا. يتمثل امر الواقع هذا في ان يختار الرئيس السوري من يكون رئيساً للجمهورية في لبنان على غرار اختياره المحافظين او رؤساء الاجهزة الامنية في بلاده.
هذا ما يتعرض له لبنان حالياً. انه انقلاب بكل معنى الكلمة يستهدف وضع اليد عليه. ما فائدة قمة عربية لا يستطيع المشاركون فيها القول بالفم الملآن للرئيس السوري ان ليس من حقه تمرير اسلحة الى لبنان وليس من حقه ارتكاب جرائم في لبنان وليس من حقه التخلص من كل من لا يعجبه في لبنان وليس من حقه منع البرلمان اللبناني من انتخاب رئيس للجمهورية بعد رحيل اميل لحود الى منزله... وليس من حقه تسليط "حزب الله" على وسط بيروت لضرب الاقتصاد اللبناني وليس من حقه ارسال ارهابيين الى مخيم نهر البارد لضرب مؤسسة الجيش اللبناني.
من حق لبنان على العرب الوقوف معه. وذلك يكون باعلانهم صراحة ان مناورات النظام السوري لم تعد تنطلي على احد وأن الحلف الذي اقامه هذا النظام مع النظام الايراني في خطورة ما يمثله العدو الاسرائيلي من خطر على الامن العربي. انه محور ايراني سوري يستخدم المذهبية في تحركه في المنطقة بدليل ان رأس حربته في لبنان حزب مذهبي مسلح لا همّ له سوى الدفاع عن المصالح الايرانية. كل ما يريد "حزب الله" اثباته ان ايران دولة على تماس مع اسرائيل كما انها دولة على البحر المتوسط اضافة الى امتلاكها لقرار الحرب والسلم في لبنان والمنطقة. أليست مصلحة اسرائيل في انتشار مثل هذا النوع من الاحزاب في المنطقة هي التي تصر على ان تكون دولة يهودية والاعتراف بها على هذا الاساس في اي تسوية يمكن التوصل اليها مستقبلاً، شرط ان تكون التسوية على حساب الحقوق الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية تحديداً؟
الموضوع يتجاوز القمة العربية. يذهب العرب الى دمشق وهناك للمرة الاولى من ينادي بوجود توازنات جديدة في المنطقة نتيجة الاحتلال الاميركي للعراق وخروج ايران الطرف الوحيد المنتصر من الغزو الذي تعرض له بلد عربي كان الى الامس القريب عربياً ومن بين الاعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية. ما على العرب مواجهته في قمة دمشق حلف بزعامة ايران يمتد من طهران الى بغداد... الى دمشق. يسعى هذا الحلف الى ضم بيروت اليه بشكل نهائي. لذلك نراه اقام مستعمرة مسلحة وسط المدينة على طريقة المستعمرات التي اقامتها اسرائيل في الضفة الغربية والجولان المحتل. ولذلك، نرى النظام الايراني يحاول تغيير طبيعة المجتمع اللبناني من داخل بعدما وضع يده على الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان ومن خلال شراء الاراضي في مناطق لبنانية مختلفة للربط بين الجزر الامنية التي اقامها في الوطن الصغير.
من دون هذا الفهم لطبيعة الصراع القائم في لبنان وأبعاده على الصعيد الاقليمي لا حاجة الى قمة عربية لا يوجد حتى الان من يطبل لها سوى النظام السوري الذي يعتقد ان العرب سيأتون الى دمشق لتغطية الانقلاب الذي ينفذه في لبنان بتغطية من اولياء نعمته في طهران. يفترض في العرب، في حال كانوا جديين ان يقولوا في القمة ان اللعبة الايرانية ـ السورية لم تعد تنطلي على احد وأن المبادرة العربية واضحة كل الوضوح وتبدأ بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان. هل يقف العرب مع لبنان، ام يذهبون الى دمشق للاعتراف بالتوازنات الاقليمية الجديدة التي يحاول الايراني والسوري فرضها عليهم؟ هل يتذكرون ان صدّام حسين ما كان ليقدم على جريمة احتلال الكويت لولا انهم سايروه اكثر مما يجب بحجة المحافظة على التضامن العربي. الوقت ليس وقت انصاف الحلول مع النظام السوري. الوقت وقت القول له ان ما يفعله في لبنان ليس مقبولاً وأن مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية تقع عليه مباشرة.... وان عودته الى لبنان ليست واردة. هل بين العرب من يتجرأ على قول هذا الكلام في دمشق كي يكون للقمة معنى بدل ان تكون قمة تكريس العجز العربي امام المحور الايراني السوري بطابعه المذهبي المقيت! هذا ما هو على المحك عربياً. إما يقاوم العرب التوازنات الجديدة التي تحاول ايران فرضها عليهم وإما يرضخون لها. من يرضخ للابتزاز السوري في لبنان يكون استسلم للنظام الايراني الذي بات يسيطر على جزء من العراق!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.