8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من قال إن حرب العراق لم تحقق هدفها؟

في مثل هذه الأيّام قبل خمس سنوات كان الجيش الأميركي في طريقه الى بغداد التي دخلها في التاسع من نيسان 2003 مطيحاً بنظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي الذي أرهق العراق وقضى على نسيجه الاجتماعي. فعل ذلك بعد خوضه مغامرتين عسكريتين. كانت الأولى ضد إيران وامتدّت من العام 1980 الى العام 1988، فيما تمثّلت الأخرى في احتلال دولة عربية مسالمة هي الكويت في العام 1990. سقط النظام العراقي يوم دخوله الى الكويت التي أرادها محافظة عراقية، غير مدرك النتائج التي ستترتب على مثل هذه المغامرة المجنونة. كان سقوط النظام العراقي اشبه بأنهيار قصر من الرمل. لم تجد بغداد من يدافع عنها. كل ما فعله صدّام أنه هرب الى حيث يعتقد أنه سيجد ملجأ آمناً الى أن قبض عليه الأميركيون وأذلوه وحاكموه ثم تركوا حزب "الدعوة" المذهبي الذي يتزعمه نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي ينفّذ حكم الإعدام به. نُفّذ الإعدام بطريقة أعادت الاعتبار الى الديكتاتور العراقي، وكشفت حقيقة الحكام الجدد للعراق وهي أنهم جاؤوا من أجل الانتقام، وليس من أجل بناء دولة مؤسسات. جاؤوا لتنفيذ خطة تقضي بالانتهاء من العراق الذي عرفناه، العراق الدولة التي لعبت دورها في تأسيس جامعة الدول العربية.
المضحك المبكي في أيامنا هذه أن يخرج بعض العرب للحديث عن فشل الخطة الأميركية من منطلق أنها استهدفت إسقاط النظام العائلي ـ البعثي، نظام المقابر الجماعية، من أجل إقامة نظام ديموقراطي يكون نموذجاً يُحتذى به في المنطقة. وثمة من يفاخر بأنه من أوائل الذين توقعوا الفشل الأميركي وتحول العراق الى الفوضى. من يتحدث بهذه الطريقة لا يعرف شيئاً لا عن العراق ولا عن نظام صدّام حسين ولا خصوصاً عن الإدارة الأميركية الحالية.
لدى التطرّق الى الحرب الأميركية على العراق، لا بدّ من العودة الى مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. في أول اجتماع عقده كبار المسؤولين الأميركيين بعد "غزوة" نيويورك وواشنطن، تحدث بول ولفوويتز، الذي كان نائباً لوزير الدفاع، عن ضرورة الرد على أسامة بن لادن في العراق. تصدّى له وقتذاك كولن باول وزير الخارجية الذي استغرب الربط بين العراق و"القاعدة". اكتفى ولفوويتز، صديق أحمد الجلبي وعرّابه الأميركي في تلك الأيام، بالصمت. ولما سئل لماذا ركّز على العراق، في حين يعرف الجميع أن المشكلة في أفغانستان حيث نظام "طالبان" الذي وفّر ملاذاً آمناً لـ"القاعدة"، جاء جواب نائب وزير الدفاع، الذي صار لاحقاً رئيساً للبنك الدولي قبل أن يضطر الى الاستقالة، أنه اكتفى هذه المرة بـ"زرع البذور". زرع ولفوويتز بذور الحرب المقبلة!
كان مطلوباً التخلص من العراق السابق بصفة كونه ركيزة من ركائز النظام الاقليمي. لذلك كان التعاون الأميركي مع إيران طوال فترة الإعداد للحرب، وفي المرحلة التي تلت الاحتلال مباشرة. كان النظام الإيراني وراء تشجيع الإدارة الأميركية على غزو العراق نظراً الى معرفته المسبقة بأنه سيكون المنتصر الوحيد في الحرب. كيف لا والقرار الأول الذي اتخذه الأميركيون بعد الغزو قضى بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي كرس مبدأ تقسيم العراق على أسس مذهبية؟ كانت إيران القوة الاقليمية الوحيدة التي اعترفت بالمجلس!
لا حاجة الى أدلة على أن الكلام الأميركي عن العراق الديموقراطي شيء والهدف الآخر من الحرب شيء آخر لا يعرفه سوى أشخاص من نوع ولفوويتز أو بول بريمر الحاكم المدني للعراق الذي اتخذ قراراً بحل الجيش العراقي وإرسال نحو ثلاثمئة ألف عسكري الى منازلهم. الى الآن لا تزال الأسئلة تدور في شأن هذا القرار الذي تفرّد به بريمر واضعاً جورج بوش الابن أمام الأمر الواقع. من يريد التأكد من ذلك، يستطيع قراءة تقرير نشرته قبل أيام صحيفة "نيويورك تايمز" وصدر الاثنين الماضي في "هيرالد تريبيون". خلاصة التقرير أن بريمر اتخذ قراره بحل الجيش العراقي من دون موافقة كبار العسكريين ووزير الخارجية (باول) أو مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس. كيف يتخذ رجل لم يسمع أحد بأسمه قراراً في مثل هذه الخطورة في حين أن الخطة الأصلية التي اُبلغت الى كبار المسؤولين كانت تقضي بالمحافظة على ما بين ثلاث وخمس فرق عسكرية لتكون نواة لجيش عراقي جديد لا علاقة له بصدام والبعث من قريب أو بعيد.
من قال إن الهدف من الغزو الأميركي للعراق لم يتحقق؟ كان مطلوباً تفتيت البلد على أسس مذهبية وعرقية وطائفية. تحقق ذلك بنجاح منقطع النظير. هناك بكل بساطة جهل أميركي من جهة ومستفيدون من هذا الجهل من جهة أخرى. من يصدق أن شخصاً في غباء ايبريل غلاسبي كان سفيراً للولايات المتحدة في بغداد حتى العام 1990. بلغ الجهل بغلاسبي تحميلها (في حديث قبل أيام مع الزميلة رنده تقي الدين) مسؤولية القرار العراقي باحتلال الكويت لطارق عزيز. من يعرف القليل عن العراق يعرف أوّلاً أن طارق عزيز لم يستطع التدخل لإخراج نجله زياد من السجن بعدما لفق عبد حمود سكرتير صدّام تهماً في حقه...
من يقرأ ما تقوله غلاسبي لا يعود يستغرب شيئاً. لا يستغرب خصوصاً نجاح الذين دفعوا في اتجاه احتلال العراق في تنفيذ أجندتهم. إنها أجندة تصب في مصلحة كل ما يخدم تفتيت المنطقة وهي أجندة لا تبدو إسرائيل وإيران بعيدتين عنها في ضوء الأحداث التي شهدناها في السنوات الخمس الأخيرة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00