8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اللبنانيون وعامل الخوف من "حزب الله"

لم يحدد "حزب الله" ما هو المشروع الأميركي للمنطقة. اكتفى في رده على وثيقة الرابع عشر من آذار بالإعلان أن الأستقلاليين في لبنان "قدموا طلب أنتساب الى المشروع الأميركي". الأمر الوحيد الأكيد حتى الآن أن هناك تخبّطا أميركيا في المنطقة وأن الهدف المكشوف للحزب المذهبي المسلح الذي يحمل اسم "حزب الله" إخضاع لبنان خدمة للنظامين الإيراني والسوري. هذان النظامان يسعيان بكل وقاحة الى عقد صفقة مع الإدارة الأميركية على حساب لبنان واللبنانيين لا أكثر. "حزب الله" ليس سوى أداة تستخدم لتحقيق مثل هذه الصفقة.
هناك، بكل بساطة، مشروع وأضح للمحور الإيراني ـ السوري الذي يشكل "حزب الله" رأس حربته على حساب لبنان في غياب المشروع الأميركي. كل ما في الأمر أن "حزب الله" الذي لم تعجبه وثيقة الرابع عشر من آذار يطلق شعارات ذات طابع تخويني، لا يزال يعتقد أنها تخيف اللبنانيين.
لعل أهم ما كشفته الوثيقة الصادرة عن المؤتمر الأول لقوى الرابع عشر من آذار زوال عامل الخوف من القوى المتربصة بلبنان على رأسها المحور الإيراني ـ السوري وأدواته المحلية كـ"حزب الله" وأدوات الأدوات المُستأجرة كالنائب ميشال عون الذي كان تجاهل تام له نظرا الى أنه يؤدي الدور الوحيد الذي يتقنه والمتمثل في المحاضرة... بالعفاف!
نعم زال عامل الخوف بعدما تكشفت كل الأدوار. "حزب الله" يتهم الإستقلاليين في لبنان بطلب الإنتساب الى المشروع الأميركي في حين أن مرجعيته الإيرانية دخلت في تحالف مع الأميركيين من خلال مساعدتهم في أحتلال العراق. كانت الجمهورية الإسلامية في إيران القوة الإقليمية الوحيدة التي دعمت الإحتلال الأميركي للعراق عن سابق تصوّر وتصميم. لا حاجة الى استعادة الوقائع ابتداء من مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي نظمه الأميركيون في كانون الأول من العام 2002 وكيف تكفل النظام الإيراني بإرسال ممثلي الأحزاب الشيعية الكبرى إليه. كان في مقدم الذين جاؤوا الى لندن للمشاركة في المؤتمر الذي أشرف عليه زلماي خليل زاد، السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة حاليا، السيد عبدالعزيز الحكيم الذي صار لاحقا زعيم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" المشارك في السلطة التي ركبّها الأميركيون في بغداد. هل يمثل الأميركي قوى الخير في العراق بينما يمثل قوى الشر في لبنان؟ ما الفارق بين عبدالعزيز الحكيم والسيّد حسن نصرالله من الزاوية الإيرانية؟ الأوّل يظهر مع بوش الإبن حين يزوره في البيت الأبيض والآخر يقول إنه ضد الرئيس الأميركي. أليس الإثنان تابعين لمرجع واحد في طهران؟ على من يضحك "حزب الله"؟ هل يريد أن يقنعنا بأن إيران لم تكن القوة الإقليمية الوحيدة التي اعترفت بمجلس الحكم الإنتقالي في العراق؟ كان المجلس الهيئة الأولى التي شكلها الأميركيون بعد إسقاطهم نظام المقابر الجماعية الذي أقامه صدّام حسين. لكنه كان مجلسا ذا طابع مذهبي ساهم الى حد كبير في انفلات كل أنواع الغرائز في العراق ودخول البلد في حرب أهلية. هل الحرب الأهلية من بين أهداف النظام الإيراني في لبنان أيضا عبر تسليحه "حزب الله" وإنشاء ميليشيا مذهبية في البلد؟
كان مهما أن تؤكد قوى الرابع عشر من آذار زوال كل الأوهام، بما في ذلك وهم "المقاومة". كان الدكتور فارس سعيد فارسا حقيقيا عندما وضع بأسم قوى الرابع عشر من آذار النقاط على الحروف في شأن كل ما له علاقة بـ"المقاومة". "المقاومة" على الرأس والعين عندما تكون مقاومة للعدو الإسرائيلي. كانت كذلك حتى العام 2000. لكن "المقاومة" تصبح ميليشيا مذهبية تخدم النظام السوري وتغطي جرائمه وتخدم المخططات الإيرانية عندما ينصب همها على إثارة النعرات المذهبية في البلد وعلى احتلال الأملاك الخاصة والعامة في قلب بيروت بما يخالف كل الشرائع السماوية والقوانين المدنية.
قبل أسبوعين من الموعد المقرر للقمة العربية في دمشق، قال لبنان كلمته عبر المؤتمر الأول لقوى الرابع عشر من آذار. سمّى الأشياء بأسمائها من دون خوف أو وجل. أبلغ كل من يعنيه الأمر أن قوى الرابع عشر من آذار لا تحتاج الى شهادات في الوطنية لا من النظام السوري ولا من النظام الإيراني اللذين يتوزعان الأدوار في المنطقة مع إسرائيل. لبنان يشرّف القمة العربية لا أكثر ولا أقل. وربما كان الأهم من ذلك كله أن قوى الرابع عشر من آذار نقلت المعركة الى حيث يجب، أي الى مكانها الحقيقي والطبيعي. إنها معركة بين ثقافتين، ثقافة السلام وثقافة العنف. إنها معركة بين ثقافة الحياة وثقافة الموت. إنها معركة بين مجتمع منتج ومجتمع يطمح الى أن يعتاش من المساعدات والصدقات. يفهم "حزب الله" ذلك جيدا. يعرف أنه لا يستطيع إقامة دولة خاصة به في لبنان مزدهر وحضاري. ولذلك ليس أمامه سوى نشر البؤس حيث حل. ولذلك أيضا، يسعى الى استعادة تجربة بغداد في بيروت كي تكون هناك متاريس بين الأحياء والطوائف والمذاهب داخل المدينة الواحدة.
المهم أن قوى الرابع عشر من آذار استعادت المبادرة بعد مخاض طويل. ما يدل على ذلك الرد الباهت لـ"حزب الله" على الإستقلاليين فيما كان "الجنرال" يتظاهر بالجدية وهو يقرأ بيانا كتب له لكنه لا يفهم ما معناه. لو كان يفهم معنى ما قرأه لكان عليه أن يشعر بالخجل. أراد أن يفتخر بمنجزاته العظيمة قبل تسعة عشر عاما عندما لعب كل الأدوار المطلوبة منه كي يهجّر اللبنانيين على رأسهم المسيحيين وينشر الخراب والدمار في مناطقهم... ويسهل دخول السوريين الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع. هناك من يعتبر الهزائم التي لحقت بلبنان واللبنانيين أنتصارات له! حقّا، الذين أستحوا ماتوا!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00