8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"الجدار الأمني" ينهار تحت ثقل انتصارات "حماس"

الأكيد أن غزة لم تنتصر. ولكن ما العمل في عالم منطق اللامنطق، أي في عالم عربي انقلبت فيه المقاييس رأساً على عقب. صار مقتل نحو مئة وعشرين فلسطينياً في غضون ساعات من دون تحقيق أي مكسب على أرض الواقع يعتبر انتصاراً، أقلّه من وجهة نظر "حماس". صار الانتصار على الشعب الفلسطيني وإلحاق مزيد من الذل والقهر به بديلا من الانتصار على إسرائيل. إنها المدرسة العبثية ذاتها التي ينهل منها "حزب الله" المذهبي الذي سبق له الترويج لانتصارات وهمية على غرار ما حصل بعد حرب صيف العام 2006. لا يستطيع أيّ عاقل الشك في أن "حزب الله" صمد في وجه الهجوم الإسرائيلي. ولكن في نهاية المطاف هناك حسابات الربح والخسارة. ما هي نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان واللبنانيين وما كلفة تلك الحرب على الوطن الصغير؟، أين كان لبنان قبل حرب الصيف وأين صار بعدها؟، هل يمتلك "حزب الله" ما يكفي من الشجاعة لطرح هذا النوع من الأسئلة... أم أن كل شيء بما في ذلك أرواح اللبنانيين وأرزاقهم ومستقبل أبنائهم يرخص أمام إصرار النظام السوري على إعادة فرض وصايته على لبنان لابتزاز العرب وغير العرب؟، هل من مشروع سياسي آخر لـ"حزب الله" غير تغطية الجرائم التي ارتكبها وسيرتكبها النظام السوري في لبنان في حق اللبنانيين الشرفاء تحديداً، في المدى القصير... في حين أن مشروعه في المدى البعيد تغيير طبيعة المجتمع اللبناني والنظام السياسي المعمول به منذ قيام الجمهورية اللبنانية في العشرينات من القرن الماضي كي يصير لبنان ملحقاً للنظام الإيراني ومرتبطاً بمشيئة "المرشد" بموجب نظرية "ولاية الفقيه" المطبقة في الجمهورية الإسلامية في إيران.
قد يكون مفيداً اليوم وضع لبنان المظلوم جانباً وذلك على الرغم من اقتراب موعد القمة العربية التي يريد النظام السوري أن تكون "قمة غزة" على حد تعبير أحد الوزراء التابعين للنظام. ما قد يكون مفيداً أكثر الإشارة إلى استخدام النظام السوري ومن خلفه النظام الإيراني مأساة غزة للتغطية على أزمة لبنان ووضعها في المرتبة الثانية... بعد غزة طبعاً.
مؤسف دخول القضية الفلسطينية في نفق مظلم بسبب إصرار "حماس" على رفض التعاطي مع الواقع وأخذها الشعب الفلسطيني إلى مغامرات أقل ما يمكن قوله انه في غنى عنها. لقد أفشلت "حماس" تجربة تحويل قطاع غزة إلى نموذج يصلح لمواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلية التي تركز على رفض التفاوض وكسب الوقت من أجل ابتلاع القدس الشرقية وجزء من الضفة الغربية. أكثر من ذلك، لم تحاول "حماس" التعلم من تجارب الماضي القريب والبعيد، من تجارب الوجود الفلسطيني المسلّح في الأردن ولبنان وتجربة فوضى السلاح في الأراضي الفلسطينية التي استغلها الاحتلال أسوأ استغلال. لم تحاول في أي شكل أن تفهم أن كل التصعيد الذي شهدته غزة أخيراً من النوع المفتعل الذي يصب في جعل الشعب الفلسطيني وقودا لمعارك ومماحكات ذات طابع إقليمي لا علاقة له بها من قريب أو بعيد.
إن الطفل الصغير يعرف أن قطاع غزة المطوق من كل جهة ساقط عسكرياً. التلميذ الذي لا يزال في المدرسة الابتدائية للسياسة يفرّق بين الشعارات والحقيقة، بين الصواريخ المضحكة ـ المبكية لـ"حماس" من جهة والقوة الضاربة لإسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة من جهة أخرى. وأي مراقب محايد لمجريات الأمور في الشرق الأوسط يعرف أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة من جانب واحد صيف العام 2005 وأن ليس في الإمكان تحويل القطاع إلى هانوي فلسطينية. العالم لا يتقبل فكرة الصواريخ التي تطلق من غزة. ولذلك يغض المجتمع الدولي الطرف بكل بساطة عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بما في ذلك تلك التي يذهب ضحيتها مدنيون وأطفال ورضع.
يفترض في "حماس" في حال كانت حريصة بالفعل على القضية الفلسطينية وعلى أطفال فلسطين ونسائها، التوقف عن السماح للمحور الإيراني ـ السوري باستخدامها في مناوراته ذات الطابع الإقليمي. يفترض أن يوجد ولو قائد صغير في "حماس" يقول ان الشعب الفلسطيني ليس وقودا لدى الآخرين. ثمة من سيرد على هذا الكلام بأن إسرائيل لا تفهم لغة أخرى غير لغة القوة. هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضا أن على الفلسطينيين عموما أن يتنبهوا إلى أن إسرائيل تبحث عمن يمارس لعبة الصواريخ. هذه اللعبة هي لعبتها المفضلة. كل ما تريده هو استخدام التوتر في غزة لمتابعة سياسة الاستيطان في الضفة الغربية والسيطرة كليا على القدس الشرقية المفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
من دون إعادة نظر جذرية تقوم بها "حماس" لاستراتيجيتها تقوم على ممارسة التهدئة، ستمر سنوات طويلة قبل أن يبحث المجتمع الدولي جديا أي شأن له علاقة بفلسطين. هل هذا ما تسعى إليه "حماس"؟، أم ما يسعى إليه أولئك الذين يفتخرون بأنهم يديرون غزة من دمشق وطهران؟. في النهاية، إن التهدئة مصلحة فلسطينية، في حين أن إسرائيل تتمنى أن لا يكون حتى كلام عن تهدئة خصوصاً أن التصعيد في غزة يسمح لها باستكمال "الجدار الأمني". على فكرة، هل من يتذكر "الجدار الأمني" الذي يفصل الضفة الغربية عن أجزاء أخرى من الضفة الغربية... أم أن الجدار انهار تحت ثقل الانتصارات التي حققتها "حماس" في غزة؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00