8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العامل اللبناني أهم من التحرّك البحري الأميركي!

من الصعب التكهن بالهدف الأميركي من إرسال البارجة "كول" وقطع بحرية أخرى إلى قبالة الساحلين اللبناني والسوري. التفسير الذي يمكن أن يكون أقرب من غيره إلى الواقع، ان الإدارة الأميركية تخشى من تطوّر ما قد تؤدي إليه عملية يقدم عليها "حزب الله" رداً على اغتيال المقاوم عماد مغنية في دمشق. مثل هذا التطوّر سيؤدي في طبيعة الحال إلى انفجار يتطلب إخلاء الرعايا الأميركيين والأوروبيين من لبنان. هل اقترب موعد الانفجار الذي يمكن أن يدفع "حزب الله" إلى السير خطوة أخرى في اتجاه العودة إلى ممارساته القديمة من نوع خطف الأجانب والعرب في بيروت ودفع السفارات العربية والغربية إلى إغلاق أبوابها أو نقل مواقعها إلى أماكن أخرى إرضاء للنظامين الإيراني والسوري؟.
هناك تحسّب أميركي لاحتمال تدهور الوضع في لبنان وانفلات الأمن فيه. ما لا يغيب عن بال المتعاطين في الشأن الاقليمي ان هناك ترابطاً بين ما يدور في فلسطين ولبنان والعراق. في الأماكن الثلاثة هناك وجود للمحور الإيراني ـ السوري الذي يتحرّك عبر ميليشياته المسلحة أكان ذلك في قطاع غزة أو مناطق معينة من لبنان ومناطق مختلفة من العراق. لديه ميليشيا "حزب الله" في لبنان و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين.. وتشكيلة منوّعة من الميليشيات المذهبية في العراق، إضافة بالطبع إلى شبكات "القاعدة" بإرهابييها المنتمين إلى جنسيات عربية مختلفة التي تشكل الزينة السنّية للتشكيلة الميليشيوية الشيعيّة!.
لا يعني تحريك قطع بحرية ان الإدارة الأميركية جمعية خيرية وأن الهدف الأول للخطوة المحافظة على لبنان وعلى الحريات فيه وعلى تجربته الفريدة في المنطقة التي يهددها المحور الإيراني ـ السوري، بمقدار ما يبدو مطلوباً أميركياً توجيه رسالة فحواها أن هناك استيعاباً للمخاطر التي تهدّد لبنان الذي لا يمثل بالنسبة إلى دمشق وطهران سوى "ساحة" تُستخدَم لابتزاز العرب وغير العرب. أكثر من ذلك، هناك بداية وعي لطريقة عمل هذا المحور الذي يمكن أن يردّ على ما تشهده غزة من هجمات وحشية لإسرائيل تسببت بها "حماس"، عن طريق تصعيد الوضع في لبنان. هل صدفة أن يكون "حزب الله" افتعل حرب صيف العام 2006 بعد أيام من خطف "حماس" لجندي إسرائيلي بعد مهاجمة موقع عسكري خارج القطاع؟، ألم يكن من بين أسباب تلك الحرب التي انتهت بهزيمة ساحقة ماحقة للبنان واللبنانيين، والتي يعتبرها الحزب اللهي انتصاراً كبيراً له لا سابق له في التاريخ العربي الحديث، السعي إلى تخفيف الضغط على "حماس"؟. لا مجال بالطبع لتجاهل ان الهدف الأوسع للحرب كان توفير الفرصة لإسرائيل لتدمير ما تستطيع تدميره من لبنان وتهجير عشرات الآلاف من اللبنانيين وشلّ الحياة في البلد وضرب مؤسساته إرضاء للنظام السوري الذي لا يمكنه سماع اسم المحكمة الدولية. هذه المحكمة التي سيمثل أمامها عاجلاً أم آجلاً المتهمون باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والشهداء الآخرين من سمير قصير إلى الرائد وسام عيد.
ولكن أبعد من التحرك البحري الأميركي والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة في حق الشعب الفلسطيني بناء على دعوة من "حماس"، والردّ المحتمل لـ"حزب الله" على اغتيال عماد مغنية، لا يمكن تجاهل ان الإدارة الأميركية بدأت تعي ولو متأخرة أهمية لبنان وعدم سقوطه في براثن المحور الإيراني ـ السوري. هل يفيد هذا الوعي الأميركي المتأخر في شيء في وقت يبدو أن لا همّ لدمشق سوى تكريس الفراغ الرئاسي في لبنان من جهة والسعي إلى القضاء على آخر المؤسسات اللبنانية الفعّالة، أي حكومة فؤاد السنيورة ومؤسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي من جهة أخرى؟.
لا يمكن لمن يعود بالذاكرة إلى السياسة الأميركية في لبنان في الأعوام 1982 و1983 و1984، إلا أن يصاب بالإحباط، خصوصاً بعد الانسحاب العسكري الأميركي من لبنان اثر تفجير مقرّ المارينز قرب مطار بيروت. يزداد هذا الإحباط عندما يتأكد له ان النظام السوري لا يزال يعيش عقدة مرحلة العامين 1983 و1984 عندما استطاع العودة إلى لبنان بعد خروجه من أجزاء كبيرة منه بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982. لا شك ان لدى النظام السوري ورقة قوية اسمها ميليشيا "حزب الله"، هذا الحزب الذي استطاع أن يستأجر أداة مسيحية اسمها "الجنرال" وأن يوظفها في خدمته وفي خدمة المصالح السورية والإيرانية. هذا واقع لا يمكن إلا الاعتراف به، لكن هناك واقعاً آخر ليس في الإمكان تجاوزه يتمثل في الصمود اللبناني الذي أخرج القوّات السورية من لبنان في العام 2005، على خلاف العام 1982، خرج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية تحت ضغط أكثرية لبنانية من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية. هذه الأكثرية أهم بكثير من حزب مذهبي يمتلك ميليشيا تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني اسمه "حزب الله" وهي أهم بكثير من أداة لدى الأدوات من نوع وئاب وهام أو ميشال عون أو من في مستواهما. إنه صمود سعد الحريري وفؤاد السنيورة وأمين الجميّل ووليد جنبلاط والمفتي علي الأمين ونسيب لحود وسمير جعجع ونايلة معوّض وباسم السبع وكل لبناني يؤمن بثقافة الحياة. قد يكون التحرّك البحري الأميركي في غاية الأهمية، لكن العامل الأساسي في لبنان حالياً هو العامل اللبناني. توفر الدعم الأميركي مهم، ولا حاجة إلى تقديم الاعتذارات والتبريرات لأي كان. اللبنانيون الذين صنعوا الرابع عشر من آذار هم الذين يقررون مصير لبنان بعدما صمدوا في وجه حرب إسرائيل ـ "حزب الله" المدعومة من المحور الإيراني ـ السوري على وطنهم الصغير.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00