هناك ما هو مخيف وهناك ما هو أكثر من مخيف. المخيف في الخطابين الأخيرين للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، تأكيده أن سلاح الحزب بات موجهاً إلى اللبنانيين. هذا ليس سرّاً عسكرياً وهو أمر معروف منذ فترة طويلة من المواطن اللبناني الشريف الذي لا يتسلّم الدولار "الطاهر". لكن المهم أن الأمين العام للحزب اللهي أعلن عن ذلك بنفسه داحضاً ادعاءات أولئك الذين يقولون ان سلاح الحزب أي الميليشيا الإيرانية ذات العناصر اللبنانية، موجه إلى إسرائيل وليس لأي جهة أخرى غير إسرائيل. فعل حسن نصرالله ذلك عندما تراجع عن إعلان "الحرب المفتوحة" على إسرائيل في الخطاب الأول وانتقل في الخطاب الثاني الذي وضع فيه نفسه تحت السقف السوري، إلى الدخول مجدّداً في أزقة السياسة الداخلية اللبنانية وأزقة بيروت تحديداً متناسياً أن ذلك يثير كل أنواع الغرائز بما في ذلك الغرائز المذهبية التي لبنان في غنى عنها. فعل ذلك منذ فترة طويلة، لكن كثيرين كانوا يرفضون تصديق أن أي سلاح لدى حزب من الأحزاب اللبنانية هو سلاح ميليشيوي لا أكثر. لو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرّأ الأمين العام لـ"حزب الله" على الإعلان باكراً، قبل خروج إميل لحود من قصر بعبدا، أنه يريد أن يعرف من سيكون القائد الجديد للجيش ومن سيكون في هذا الموقع المهم أو ذاك وكأن الدولة أشلاء متنازع عليها بين الأحزاب والفئات اللبنانية كل يريد حصته.
ما هو مخيف أكثر من ذلك، الإصرار على استخدام ورقة جنوب لبنان بما يتلاءم مع الرغبات الإسرائيلية. أما آن لأهل الجنوب وهم في أكثريتهم من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة أن ينعموا بحياة هادئة؟، أم أنه محكوم عليهم أن يكونوا وقودا في حروب لا علاقة لهم بها تخاض تحت شعارات من نوع مواجهة الخطر الإسرائيلي. هذا يحدث منذ العام 1968، أي قبل توقيع اتفاق القاهرة عندما بدأ المسلحون الفلسطينيون يتسللون إلى جنوب لبنان بدعم سوري واضح. حتى ان النظام السوري صنع آنذاك ميليشيا فلسطينية تابعة له أسماها "الصاعقة" يتدخل عبرها في لبنان ويضرب رموز الدولة اللبنانية. الهدف كان دائماً نفسه. بدا مطلوباً أن يدفع لبنان ثمن القرار الحكيم الذي اتخذه والقاضي بتفادي الدخول في حرب العام 1967. جنّب ذلك الوطن الصغير خسارة أي جزء من أرضه باستثناء مزارع شبعا التي كانت تحت السيطرة السورية منذ العام 1956 والتي ينطبق عليها القرار 242 وليس القرار 425.
كانت هناك دائما مشاكل بين لبنان وإسرائيل. منذ قيام تلك الدولة على أرض فلسطين ولبنان يعاني. هذا واقع لا يمكن التنكر له. تكفي عملية تهجير مئات آلاف الفلسطينيين إلى أراضيه للتأكد من مدى الظلم الذي لحق بالوطن الصغير وقبل ذلك بالفلسطينيين. لكن لبنان عرف دائماً كيف التعاطي مع هذه المشاكل، بما يحفظ مصلحته، إلى أن بدأ العمل الفلسطيني المسلح انطلاقاً من أراضيه في وقت كانت الجبهات العربية الأخرى تهدأ الواحدة تلو الأخرى بما في ذلك الجبهة السورية التي لم تطلق منها رصاصة منذ العام 1974 على الرغم من استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان. المؤسف أن الخروج الفلسطيني المسلح من لبنان ومن الجنوب تحديداً، ترافق مع وجود مسلح من نوع آخر لا هدف واضح له سوى إبقاء الجنوب جرحاً ينزف. صحيح أن "حزب الله" يستطيع التذرع أقلّه حتى العام 2000، بأنه كان "مقاومة" وأن إسرائيل ما كانت على استعداد للانسحاب من الأراضي اللبنانية وتنفيذ القرار 425 لولا تلك المقاومة. لكن الصحيح أيضاً أنه بغض النظر عن هذه المقولة والنقاش الذي سيدور يوماً ما في شأن حقيقة المقاومة وأهدافها، كان في استطاعة "حزب الله" أن يتوقف بعد العام 2000 عن لعب الدور ذاته الذي كانت تلعبه المنظمات الفلسطينية استناداً إلى حجة واهية اسمها مزارع شبعا.
السؤال الآن لماذا الإصرار على هذا الدور؟، لماذا لا يعترف "حزب الله" بالواقع الجديد في جنوب لبنان نتيجة حرب صيف 2006؟، ما معنى الحديث عن انتصار كبير على إسرائيل في غياب القدرة على اتخاذ قرار كبير يتعلق بعودة الوضع إلى طبيعته في الجنوب منذ عودة الجيش اللبناني إليه للمرة الأولى منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً من جهة وتمكين أهل الجنوب من ممارسة حياتهم الطبيعية من جهة أخرى؟، هناك شيء اسمه القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي وافق "حزب الله" على كل كلمة فيه، نظراً إلى أنه كان في حاجة إلى وقف لإطلاق النار في الثالث عشر من آب 2006 وقد أمّنت له حكومة فؤاد السنيورة ولا أحد غيرها التوصل إلى وقف النار بالقرار 1701 الذي أدى إلى تعزيز القوة الدولية الموقتة في جنوب لبنان.
ما معنى الهجوم على بيروت وعلى اللبنانيين وإثارة الغرائز المذهبية بين اللبنانيين؟، هل بهذه الطريقة يكافئ "حزب الله" الحكومة اللبنانية؟، أم أنه يمارس عملية هروب من الأزمة العميقة التي أدخل نفسه بها عندما افتعل الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان وأمّن لها كل ما تحتاج له من أجل استكمال مهمة القضاء على مشروع إعادة الحياة إلى لبنان، مشروع البناء والإعمار والتنمية. ربما كان الجواب المنطقي الوحيد على تصرفات الحزب اللهي أنه ليس حراً. إنه ينفذ سياسة مرسومة له. ملخص هذه السياسة أنه يتابع مهمة المنظمات الفلسطينية المسلحة التي استخدمت جنوب لبنان منذ العام 1968. هل هذه المهمة الحقيقية للحزب الذي انتقل من الإساءة إلى أهل الجنوب إلى الإساءة إلى بيروت وتعطيل الحياة فيها؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.