صوّب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله خطابه السياسي. في تأبينه للمقاوم عماد مغنية الذي اغتيل في ظروف غامضة في دمشق، أعلن "حرباً مفتوحة" على إسرائيل. صحيح أنه سعى في حينه إلى تفادي الوضوح الكامل في إعلانه عن تلك الحرب مستخدماً صيغة ملتبسة إلى حد ما ترتكز على كلمة "إذا"، إلا أن الصحيح أيضاً أنه هدد بنقل الحرب مع إسرائيل إلى أي مكان في العالم... متناسياً، عن قصد، أن لبنان واللبنانيين سيدفعون ثمن أي مغامرة جديدة لـ"حزب الله" والذين يعمل لحسابهم في طهران ودمشق.
جاء التصويب في خطابه الأخير في ذكرى أسبوع على اغتيال عماد مغنية. لم يعد هناك تركيز كامل على إسرائيل المتهمة بأنها وراء اغتيال من يمكن اعتباره القائد العسكري والمسؤول الأمني الأبرز في "حزب الله". عاد التركيزالأساسي على لبنان واللبنانيين. تأكد لدى من لديه أدنى شك في مهمة سلاح "حزب الله" والنيات الحقيقية للحزب، أن السلاح موجه إلى الداخل اللبناني بهدف واضح كل الوضوح هو استكمال الانقلاب الذي يستهدف القضاء على لبنان بكل ما يمثله. المطلوب أن يكون هناك لبنان جديد لا علاقة له من قريب أو بعيد بالعيش المشترك أو الديموقراطية أو الازدهار. مطلوب بكل بساطة نشر البؤس في كل أنحاء لبنان من أجل تحويل الوطن الصغير رهينة لدى "حزب الله" بالطريقة نفسها التي وضع فيها الحزب يده على الطائفة الشيعية الكريمة مستولياً على قرارها بوسائل مختلفة. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان "حزب الله" وافق مع أدواته المستأجرة على احترام قوانين اللعبة الديموقراطية بدل نقل البلد من أزمة إلى أخرى من أجل إخضاعه بوسائل غير شرعية... حتى لا نقول وحشية.
غريب أمر هذا الحزب، إنه يخوض الانتخابات اللبنانية ثم يفعل كل شيء من أجل تعطيل كل ما له علاقة بالديموقراطية والنظام المعمول به منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية، بدءاً بدور مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ما هي وظيفة النائب اللبناني إذا لم يذهب إلى مجلس النواب للمشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية عند انتهاء ولاية الرئيس؟ منذ متى يُطرح موضوع مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس ثم اللجوء إلى إغلاق أبواب المجلس كي تتعطل الحياة السياسية في البلد.
ما ينفذّه "حزب الله" انقلاب بكل معنى الكلمة لا أكثر. وجد حسن نصرالله أن خطابه في تأبين عماد مغنية لم يكن موفقاً، فلجأ إلى خطاب جديد للقول للبنانيين إن تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري وعمليات القتل والتفجير الأخرى وافتعال حرب صيف العام 2006 مع إسرائيل ثم احتلال الوسط التجاري الذي يرمز إلى العيش المشترك بين اللبنانيين، حلقات مترابطة. أحداث مخيم نهر البارد جزء من الحلقات، كذلك اغتيال اللواء فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش ثم النقيب وسام عيد الخبير في تكنولوجيا الاتصالات المتطورة.
ليس صدفة سعي الأمين العام لـ"حزب الله" إلى التهويل على اللبنانيين عن طريق خطابات لا تصب سوى في تهجير أبناء الوطن الصغير وتفريغه من الكفاءات ومنع أي مستثمر عربي أو أجنبي من التوجه إليه. وكان خطابه الأخير مثلاً جليّاً على هذا التوجه. إنه يتذرع بالسياسات الإسرائيلية لتبرير احتفاظ الحزب بسلاحه المستخدم في نشر ثقافة الموت في بلد يحب أبناؤه الحياة.
ليس سراً أن إسرائيل دولة قامت على الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني. ولكن، ثمة سؤال لا بد من طرحه للمرة المليون: هل دور لبنان أن يكون الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع إسرائيل؟ ما ذنب لبنان واللبنانيين إذا كان العرب، على رأسهم سوريا أعتبروا السلام "خياراً استراتيجياً"؟ ما ذنب لبنان واللبنانيين إذا كان النظام السوري الذي يدافع عنه "حزب الله" بالرخيص والغالي يريد محاربة إسرائيل، أو عقد صفقات معها عن طريق المتاجرة بلبنان؟ لو كان "حزب الله" صادقاً في أي كلمة يقولها لما كان سكت عن الهدوء السائد على جبهة الجولان منذ العام 1974، فيما الهدف الحقيقي للنظام السوري وضع اليد على لبنان وإبقاء الجنوب جرحاً ينزف في حين أن في الإمكان تحويله إلى جنة حقيقية بعيداً عن البؤس الذي ينشره الحزب اللهي حيث يحل.
شبع اللبنانيون شعارات تغطي الأهداف الحقيقية لحزب مذهبي همه الأول تغيير النظام في لبنان وتغيير طبيعة المجتمع اللبناني عن طريق إفقار اللبنانيين وجعلهم يعتاشون من الصدقات، أي من الدولار "الطاهر"، بدل أن يبقوا مجتمعاً منتجاً يتمسك أبناؤه من ذوي الكفاءات بالأرض ولا يسعون إلى الهجرة عند أقرب فرصة. اللعبة صارت مكشوفة. لماذا لا يقول "حزب الله" إنه يريد الاستيلاء على لبنان وتحويله محافظة سورية يطل من خلالها النظام الإيراني على البحر المتوسط؟ لماذا لا يقول إنه يخاف من حيوية اللبنانيين وقدرتهم على مواجهة ثقافة الموت التي ينادي بها؟ ما يربط بين الخطابين الأخيرين لحسن نصرالله ليس فكرة الحرب مع إسرائيل والتهديد بها أو التخوف من تهديد إسرائيلي بشن مثل هذه الحرب. ما يربط بين الخطابين هو الكره لبيروت ولبنان. إنه كره لكل ما هو ناجح في لبنان. كره لبيروت ولجامعاتها وفنادقها وملاهيها ومستشفياتها وأضوائها ولكل مشروع أو معلم حضاري فيها. مطلوب أن تكون بيروت بغداد الصغرى... أوليس هذا ما يعدنا به "حزب الله" عندما ينزل أنصاره إلى الشارع لإحراق الدواليب وسد الطرقات، فلا يجد من يصفق له بين اللبنانيين غير تلك النكتة السمجة التي اسمها "الجنرال"؟..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.