8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يستفيد "حزب الله" من كلام جنبلاط؟

يمكن لبعض اللبنانيين والعرب أن يستغربوا الكلام الأخير للنائب وليد جنبلاط أحد أركان حركة الرابع عشر من آذار عن الطلاق "الحبّي" مع "حزب الله" واستحالة التعايش والحوار معه. الواقع أن جنبلاط في حديثه إلى الزميلة نجاة شرف الدين عبر "أخبار المستقبل" كرر على طريقته ما سبق للكنيسة المارونية أن أعلنته قبل أسابيع عدة عن صعوبة استمرار لبنان بوجود دولة داخل الدولة فيه وفي ظل وجود فريق مسلح يستخدم هذا السلاح في فرض إرادته على اللبنانيين الآخرين. الأكيد أن الكنيسة قالت هذا الكلام بطريقة لبقة محاولة إفهام كل من يعنيه الأمر أن ثمة وضعاً غير طبيعي في الوطن الصغير وأن هناك من يحاول تغيير أصول اللعبة الديموقراطية وتنفيذ إنقلاب يغير من طبيعة لبنان ونظامه الديموقراطي وتركيبته التي فشلت الحرب في تغيير أسسها. وقد جاء إتفاق الطائف لحماية التركيبة في المدى الطويل وطمأنة المسيحيين إلى أن حصتهم في الوطن الصغير محفوظة على كل المستويات بغض النظر عن التغييرات ذات الطابع الديموغرافي التي تعصف بالكيان.
بالطبع، كان هناك للأسف الشديد بين المسيحيين الجهلة، وما أكثرهم، من هاجم في حينه الكنيسة إرضاء لـ"المقاومة". حاول هؤلاء الجهلة الخلط بين "حزب الله" المسلح والطائفة الشيعية الكريمة من أجل التحريض على الكنيسة. إنهم لا يدركون أن لبنان إما يكسر الحلقة المفرغة التي دخلها منذ توقيع إتفاق القاهرة في العام 1969 وأما يزول عن خريطة الشرق الأوسط بسبب التمدد الذي يمارسه "حزب الله" بفضل سلاحه من جهة والأموال الإيرانية الموضوعة في تصرفه من جهة أخرى.
كانت طريقة وليد جنبلاط في الكلام قاسية. لكنها كانت تعكس صدقاً حقيقياً صادراً عن رجل يدرك جيداً حجم الأخطار التي تحيق بلبنان. وما قد يكون أهم من ذلك أن طريقة كلامه عكست الشعور الذي ينتاب أنسانا يمتلك حساً وطنياً وذوقاً مرهفاً في آن. مثل هذا الأنسان لا يمكن ألا أن ينتفض في وجه الواقع الأليم والظالم الذي يحاول "حزب الله" فرضه على اللبنانيين من أجل إخضاعهم وجعل اليأس يدب في أوصالهم إرضاء لدمشق وطهران. نعم مطلوب الاستسلام لليأس كي يحول "حزب الله" لبنان مجرد "ساحة" يستخدمها المحور الإيراني ـ السوري لإبتزاز العرب والمجتمع الدولي وعقد الصفقات مع العدو الإسرائيلي... كم تهمة كان وجه "حزب الله" للدولة اللبنانية ومؤسساتها وللأجهزة الأمنية لو حدث أن اغتيل المقاوم عماد مغنية على الأرض اللبنانية وليس في الأراضي السورية؟ بعض الإنصاف ضروري للبنان. هل يفهم الحزب ذلك ويستفيد من كلام وليد جنبلاط وقبل ذلك من الكلام الصادر عن الكنيسة المارونية؟
في النهاية، يلعب "حزب الله" الدور الذي سبق ولعبته المنظمات الفلسطينية في لبنان منذ أواخر الستينات من القرن الماضي. أرادت هذه المنظمات اقامة دولة داخل الدولة غير آبهة بما يحل باللبنانيين ولبنان. كادت هذه المنظمات أن تقضي على التركيبة اللبنانية. المؤسف في الأمر أن "حزب الله"" يكرر التجربة ذاتها غير آخذ في الأعتبار أن أهل الجنوب كانوا أكثر من عانى من الممارسات الفلسطينية في حينه وكانوا أول من وقف في وجهها وحاولوا التصدي لها. أكثر من ذلك، دفع أهل الجنوب وفي أكثريتهم من الشيعة ثمنا غاليا بسبب الإنتشار الفلسطيني المسلح في الجنوب وبسبب إبقاء تلك الجبهة مفتوحة لأغراض لا علاقة لها بلبنان بمقدار ما إنها تصب في تهجير اللبنانيين من أرضهم.
يسعى "حزب الله" إلى أعطاء دروس ومحاضرات في الوطنية. لن يمتلك المسؤولون فيه ما يكفي من الشجاعة لمحاولة فهم ما قاله وليد جنبلاط وقبله الكنيسة المارونية عن وجود فريق في البلد لا يؤمن بلبنان الذي يؤمن به اللبنانيون الآخرون، أي لبنان الديموقراطي والمتنوع والحضاري والمنفتح على العالم، لبنان الرافض أن يكون تابعاً لأحد. في حال فهموا ما يعنيه وليد جنبلاط، لكانوا أستوعبوا معنى مشروع الإنماء والإعمار الذي نفذه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتوقفوا عن إثارة الغرائز المذهبية من أجل استعادة التجربة العراقية في لبنان.
قبل "حزب الله"، جربت طوائف لبنان كلها حظها. حاولت كل من هذه الطوائف جعل لبنان على قياسها. جرب السنّة وفشلوا عندما اعتبروا الفلسطينيين جيشهم. جرب المسيحيون عندما إعتقدوا أن في أستطاعتهم أخضاع الآخرين عبر الأستقواء بسوريا في مرحلة معينة ثم بإسرائيل في مرحلة لاحقة. جرب الدروز أحتكار جزء من الجبل وبيروت. فشلوا أيضا. يجرّ "حزب الله" الشيعة إلى تجارب فاشلة لا مصلحة لهم في تكرارها. لبنان يحمي الجميع. الطائف يحمي الجميع. تلك كانت رسالة وليد جنبلاط. سلاح "حزب الله" لا يخدم سوى إسرائيل. يفترض في الحزب أن يتذكر في استمرار أن الإسرائيليين أصروا في العام 1976 على أن يكون جنوب لبنان خارج سيطرة الدولة اللبنانية وألا تدخله "قوات الردع العربية" التي كانت في أكثريتها سورية. إسرائيل وضعت "الخطوط الحمر" لسوريا وغير سوريا. أبلغت هنري كيسينجر الذي كان صاحب فكرة دخول الجيش السوري الى لبنان أنها في حاجة إلى "مناوشات" مع المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان بين وقت وآخر. هل من أجل ذلك يسعى "حزب الله" إلى تكريس سلاحه في البيان الوزاري لأي حكومة مقبلة؟ يريد الحزب بذلك أن يكون لبنان في وضع أسوأ مما كان عليه أيام اتفاق القاهرة؟ من تخدم هذه الاستراتيجية؟ هل تخدم الشيعة أو لبنان؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00