مع أقتراب الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، يستمر الانقضاض على لبنان من منطلق أن المطلوب أكثر من أي وقت الانتهاء من الوطن الصغير ومؤسساته ومن كل من يؤمن به، وذلك في سياق محو آثار الجريمة. يجد النظام السوري أن الفرصة سانحة لتحقيق مكاسب على الأرض مستفيداً من عوامل عدة يظن أنها تخدم أهدافه. في مقدم العوامل، يأتي من دون شك انصراف إدارة الرئيس بوش الإبن إلى الأوضاع الداخلية، خصوصاً المشاكل ذات الطابع الاقتصادي. ليس صدفة أن الهم الاقتصادي طغى على كل ما عداه في الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة الأميركية. هناك بالكاد ذكر للعراق أو للسياسة الخارجية باستثناء ترديد هذا المرشح أو ذاك، أنه سيعمل على إعادة الجنود الأميركيين إلى أرض الوطن. يجد النظام السوري في التلهي الأميركي بالأوضاع الداخلية فرصة لا تعوض كي ينقض على لبنان ومؤسساته بما في ذلك مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية التي تتابع التحقيق في سلسلة الجرائم التي أرتكبها...
ثمة قراءة سورية للوضعين الأقليمي والدولي. بموجب القراءة، في الإمكان متابعة عملية التدمير المدروسة للمؤسسات اللبنانية ومعها عمليات القتل والتفجير وذلك بغية تغطية الفشل الذي لحق بالرئيس اللبناني السابق الذي وقعت الجريمة في عهده الممدد قسراً. لما فشل ذلك الذي لم يكن سوى قناع يغطي كل أنواع الجرائم التي أرتكبت في حق اللبنانيين ـ الشرفاء حقاً ـ ولبنان الحضاري، وليس لبنان "الساحة"، في تغطية الجريمة الكبرى يوم الربع عشر من شباط ـ فبراير 2005، كان لا بد من اللجوء إلى جرائم أخرى. آخر الجرائم الفراغ الرئاسي الذي يبدو أنه المرشح الوحيد للمحور الأيراني ـ السوري الذي لا يرى في لبنان سوى رهينة يستخدمها لابتزاز العرب وغير العرب. وبين ما يسعى إليه المحور صفقة على حساب لبنان مع "الشيطان الأكبر" الأكبر الأميركي بمباركة "الشيطان الأصغر" الإسرائيلي!
من يستعرض شريط الأحداث منذ الجريمة الأولى التي أقدم عليها النظام السوري والمتمثلة في تمديد ولاية إميل لحود وصولاً إلى الجريمة الأخيرة المتمثلة باغتيال النقيب وسام عيد ثم افتعال أحداث الشياح ـ عين الرمانة لتوريط الجيش وخلق علامات استفهام تتناول المؤسسة العسكرية، يجد أن المطلوب سورياً تفكيك لبنان. ولهذا السبب وليس لغيره، نجد تلك الشراسة في التعاطي مع المؤسسة العسكرية ووضعها في قفص الاتهام. من يتهم "بعض الضباط" بالتورط في أحداث الشياح ـ عين الرمانة، يستهدف المؤسسة العسكرية ككل وليس هذا الضابط أو ذاك. إنه يستهدف قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي تلقى إنذاراً أولياً عندما اغتيل العميد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش في كانون الأول الماضي. كان الهدف من الإنذار واضحاً كل الوضوح. كان بمثابة رسالة فحواها أن لا شيء تغيّر في لبنان وأن على من يريد أن يكون رئيساً للجمهورية أن يرتدي القناع الذي كان يرتديه الرئيس السابق الذي غادر قصر بعبدا أخيراً غير مأسوف عليه أو على عهده المشؤوم.
لم يتمكن قائد الجيش الحالي من ارتداء القناع المطلوب سورياً وإيرانياً. لم يفعل كما فعل سلفه في قيادة الجيش. لم يفوت صيف العام 2006 فرصة إرسال الجيش إلى الجنوب لحماية الوطن وأبنائه كما فعل إميل لحود في العام 1993 عندما شكا القيادة السياسية اللبنانية إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بسبب القرار المتخذ في مجلس الوزراء والقاضي بإرسال الجيش إلى حيث يجب أن يكون بدل ترك الجنوب "ساحة" يستخدمها المحور الإيراني ـ السوري لأغراض تصب في النهاية في خدمة إسرائيل. أكثر من ذلك، لم يتردد قائد الجيش الحالي طويلاً في تنفيذ تعليمات مجلس الوزراء. قضى الجيش على عصابة شاكر العبسي السورية الإرهابية التي سيطرت على مخيم نهر البارد في شمال لبنان. فعل ذلك، على الرغم من كلام السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله"، رأس حربة المحور الإيراني ـ السوري، عن أن نهر البارد "خط أحمر". كان مطلوباً ترك مخيم نهر البارد مرتعاً للإرهاب الذي يرعاه النظام السوري، كي يكون هناك مربع أمني آخر على الأراضي اللبنانية ممنوع على الجيش وقوى الأمن دخوله.
ستشتد الحملة على لبنان. ستشتد الحملة على كل المؤسسات اللبنانية بما في ذلك الجيش وقوى الأمن. لا بد من إنهاء دور المؤسسات على غرار ما فعله رئيس مجلس النواب الذي أغلق البرلمان منذ ما يزيد على سنة. لكن لبنان سيصمد. ما ينساه النظام السوري وأولياء نعمته في طهران ومعه كل أدواته وكل أدوات الأدوات المستأجرة أن لبنان لا يخاف حال الجمود السائدة في واشنطن حالياً. عليه أن يتذكر أن لبنان هو من جرّ الإدارة الأميركية إلى موقفه وليس العكس. اللبنانيون الشرفاء فعلاً، لبنانيو الرابع عشر من آذار هم الذين أخذوا المبادرة وردوا على جريمة اغتيال رفيق الحريري بالنزول إلى الشارع بمئات الآلاف. نصف الشعب اللبناني كان في الشارع من دون حاجة إلى الدولار الإيراني "الطاهر" جداً.
هناك هجمة شرسة على لبنان، في غياب قدرة عربية على تسمية الأشياء بأسمائها. هناك هجمة على لبنان في ضوء اعتقاد النظام السوري أن الإدارة الأميركية صارت مشلولة. لبنان باقٍ. إذا لم ينتخب الرئيس اليوم، سينتخب غداً. لن يكون في لبنان فراغ... لن تكون عودة إلى الرئيس ـ القناع!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.