8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

في سياق الثامن من آذار 2005!

يندرج ما شهدته بيروت في الأسابيع القليلة الماضية، أي منذ بدأت حملة إحراق الدواليب في الشوارع عبر مراهقين تشرّبوا الروح المذهبية يحتجّون على انقطاع التيار الكهربائي، في سياق تغطية الجريمة الكبرى المتمثلة في اغتيال رفيق الحريري. كان ذلك اغتيالاً لمشروع إعادة الحياة إلى لبنان. ولذلك ليس مستغرباً استمرار الحملة الهادفة إلى اغتيال رفيق الحريري مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة بغية تغطية ما ارتكبه النظام السوري.
كانت البداية الحقيقية لعملية التغطية للجريمة في الثامن من آذار 2005 عندما نزل "حزب الله" إلى الشارع بتظاهرة كبيرة بغية "شكر" النظام السوري. على ماذا يريد شكره.. هل على اغتيال رفيق الحريري؟ أنزل الحزب الايراني إلى الشارع عشرات الآلاف من أنصاره وأنصار أدواته رافعين شعارات واضحة كل الوضوح. كشف الحزب يومذاك أوراقه كلها. لم تعد هناك أسرار. كل ما في الأمر أن ما فشل به الرئيس اللبناني السابق الذي يخجل المرء من ذكر اسمه، تحوّل إلى مهمّة على "حزب الله" تأديتها. كان الرئيس السابق الذي حصلت الجريمة في عهده الممدّد قسراً يسعى إلى إخلاء مسرح الجريمة والتخلص من المعالم وفتح الطريق فوراً وكأن اغتيال رفيق الحريري حادث سير. لم ينجح في ذلك على الرغم من كل الجهود التي بذلها والتي شملت نقل سيارات الموكب، بما في ذلك السيارة التي كان فيها رفيق الحريري إلى مكان آخر. كان المخطط يقضي بتأكيد ان الاغتيال حادث عابر وكان من المتوقع ألا تتجاوز الردود تلك التي تلت اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 أو بشير الجميّل في العام 1982 أو رينيه معوّض في العام 1989 وعشرات الآخرين من المفتي حسن خالد، إلى نقيب الصحافة رياض طه، إلى الشيخ صبحي الصالح، إلى النائب ناظم القادري، إلى عشرات الضباط والجنود اللبنانيين بمن فيهم مستشار رئيس الجمهورية محمد شقير أحد رفاق رياض الصلح.
يتابع "حزب الله" حالياً المهمة التي فشل فيها الرئيس السابق الذي أخذ على عاتقه تغطية الجريمة بدعم من الجهاز الأمني ـ السوري ـ اللبناني الذي صار معظم أركانه في السجن. ينفذ الحزب الذي يحتل الأملاك العامة والخاصة في وسط بيروت، المهمة التي فشل بها الرئيس السابق الذي غادر بعبدا أخيراً، بإرسال مراهقين إلى الشارع ودفعهم إلى الاصطدام بالجيش. اكتشف الحزب الايراني ان هذه اللعبة في غاية الخطورة في المناطق ذات الكثافة السكانية. إنها لعبة لا يمكن ممارستها سوى في حدود معينة نظراً إلى انها تزعج النظام الايراني. ولهذا السبب نقل الدواليب المحترقة في اتجاه خط الشياح ـ عين الرمانة. لم يكن مطلوباً يوم "الأحد الأسود" الاكتفاء بإثارة الغرائز المذهبية لدى المسيحيين والتذكير باندلاع الحرب الأهلية انطلاقاً من عين الرمانة في الثالث عشر من نيسان 1975 فحسب وذلك بناء على توجيهات من دمشق، بل كان جلياً ان المطلوب حرق الأوراق السياسية للعماد ميشال سليمان قائد الجيش المرشح الوفاقي لرئاسة الجمهورية أيضاً. ومن أجل تحقيق الأهداف المطلوب تحقيقها، كان الاصطدام المتعمّد بالجيش ومحاولة الإساءة إلى جنوده. باختصار شديد، كان الهدف إثارة الجنود والتضحية بالشبان من أجل استغلال دم الشهداء في مرحلة لاحقة. ولا شك ان "حزب الله" نجح في ذلك إلى حد كبير بدليل نجاحه في جعل شبان يسقطون قتلى من جهة وفي إخافة أهل عين الرمانة المسيحيين من جهة أخرى وتذكيرهم بأن ثمّة مَن عليه نقل مكان سكنه قريباً. لم يكن في استطاعة "حزب الله" السعي إلى تحقيق ما يصبو إليه لولا ذلك الغطاء الذي توفره له تلك الأداة المسيحية المسماة "الجنرال". لا يتقن ميشال عون، الحاقد على كل ما هو ناجح وحضاري، سوى مهمة واحدة هي الإساءة إلى لبنان والمسيحيين خصوصاً وتهجير مَن لم يهاجر منهم. ولذلك لم يعد يصدر عنه بعد أحداث "الأحد الأسود" سوى الكلام الذي لا معنى له في حين كان مطلوباً أكثر من أي وقت الوقوف مع لبنان ومع الذين يرفضون تغطية الجرائم التي ذهب ضحيتها أشرف اللبنانيين من رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما.. إلى النقيب وسام عيد الذي ذنبه الوحيد المساعدة في كشف هوية القتلة!.
سيستغل "حزب الله" استشهاد مجموعة من الشبان في أحداث "الأحد الأسود" إلى أبعد حدود، علماً ان المسؤول عن الجريمة من دفع بهؤلاء إلى التظاهر وإحراق الدواليب لأسباب لا علاقة لها بالكهرباء وانقطاعها بمقدار ما ان لها علاقة بتغطية الجريمة التي وراءها النظام السوري. في النهاية، كل ما يجري حالياً يندرج في سياق ما جرى منذ الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005 يوم اغتيال رفيق الحريري. هناك نظام مسؤول عن الجريمة وهناك مَن يسعى إلى تغطية الجريمة انصياعاً لرغبة هذا النظام المتحالف مع النظام الايراني الذي سيتبين يوماً انه لم يكن بعيداً عن الانقلاب الذي يتعرض له الوطن الصغير الذي أعاده رفيق الحريري إلى الخريطة السياسية الاقليمية والدولية بفضل مشروع الإنماء والإعمار. بدأ الانقلاب بالتمديد للرئيس اللبناني في العام 2004، ولمّا لم يسكت اللبنانيون على التمديد، جاءت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة. ولمّا استمرّت المقاومة جاء اغتيال رفيق الحريري.. ثم جاءت تظاهرة الثامن من آذار لتغطية الجريمة. من اغتيال سمير قصير في الثاني من حزيران ـ يونيو 2005 إلى يومنا هذا مروراً بكل الاغتيالات الأخرى والتفجيرات بما في ذلك حرب صيف العام 2006، هناك مهمة واحدة تمارسها القوى التي شاركت في تظاهرة الثامن من آذار التي سعت إلى الحؤول دون الانسحاب العسكري السوري من لبنان. تقتصر المهمة على شكر النظام السوري على ما قام به وتغطية جرائمه.. والتأكيد ان لبنان "ساحة" للمحور الايراني ـ السوري. في ظل هذه المعطيات وهذا السياق، مَن يستغرب ما حصل يوم "الأحد الأسود"؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00