8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تفادياً لكارثة جديدة في قطاع غزة

لم يعد سرّا أن إسرائيل لا تريد التوصل إلى تسوية مع الجانب الفلسطيني في الظروف الراهنة. اثبتت ذلك من خلال التصعيد الذي تمارسه في قطع غزة يوميا وفي الضفة الغربية بين وقت وآخر. كيف يكون الرد على التصعيد الإسرائيلي؟ هل بمزيد من التصعيد من الجانب الفلسطيني أم بالسعي إلى تفادي الدخول في لعبة التصعيد التي لا تخدم سوى حكومة إيهود أولمرت التي يبدو أنها في غير وارد التزام الأجندة الأميركية التي تدعو إلى أن تكون السنة 2008 سنة السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
يمكن للمجزرة الأخيرة التي ارتكبها الإسرائيليون في غزة وأدت الى استشهاد نحو عشرين فلسطينيا بينهم نجل الدكتور محمود الزهار، أبرز قياديي "حماس" في القطاع، أن تكون مناسبة لوقفة مع الذات والتفكير في العمق في كيفية إفشال المخطط الإسرائيلي. لا بدّ من التذكير دائما بأن هذا المخطط يقوم على الفكرة القائلة أن لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه. ولذلك لا حاجة إلى تسوية. الدليل على ذلك، من وجهة نظر الإسرائيليين، أن انسحابا من غزة حصل في صيف العام 2005، لكن الصواريخ أستمرت تطلق من القطاع في اتجاه أراض إسرائيلية بينها بلدة سديروت ومدينة عسقلان، اضافة إلى أهداف أخرى. المؤسف أن ما يقوله الإسرائيليون معتمد دوليا. لم يفعل الجانب الفلسطيني الذي يسيطر على غزة شيئا من أجل اقناع المجتمع الدولي بأن الانسحاب من غزة فرصة لاظهار أنه قادر على ادارة شؤونه بنفسه وتقديم نموذج عما يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقلة.
عاد الفشل الفلسطيني في ادارة شؤون غزة بعد الأنسحاب الذي نفّذته إسرائيل من جانب واحد بكارثة على القضية الفلسطينية. لا شك أن الفشل تتحمل مسؤوليته "فتح" و"حماس" معا في المرحلة التي تلت الأنسحاب مباشرة، خصوصا أن "فتح" تهاونت في مسألة ضبط الأمن التي كانت تتولاها أجهزة السلطة الوطنية اضافة إلى أنها عانت من الكثير من الانقسامات الداخلية التي حولتها عشائر وقبائل وعائلات متناحرة. ولكن ما حصل مع مرور الأيام أن "حماس" كشفت أوراقها. تبين أن هدف الحركة التخلص من "فتح" ومن السلطة الوطنية الفلسطينية. اكثر من ذلك، تبين أن كل ما تريده "حماس" تحويل القطاع إلى "جمهورية اسلامية" على الطريقة "الطالبانية" بأموال إيرانية وغير إيرانية وليس التخلص من الاحتلال. وبكلام أوضح، تبين أن "حماس" تريد تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وتعتبر ذلك أولوية الأولويات بالنسبة إليها...
في خضم التصعيد الذي تمارسه إسرائيل، يفترض في "حماس" التفكير مليا في ما آلت إليه الأوضاع في القطاع. يمكن فهم الرد الأول للدكتور الزهار على اغتيال نجله. ولكن بعد مرور بضعة أيام، على الحادث، لا بد من وجود من يفكر في أن التصعيد سقوط في الفخ الإسرائيلي لا أكثر. سيكلف التصعيد غزة الكثير، ذلك أن الجانب الإسرائيلي هو من يبحث عن المواجهة للهرب من استحقاقات التسوية.
في النهاية، أن العودة عن الخطأ فضيلة. من يستطيع العض على الجرح والعودة عن الخطأ هو شخص قد يكون الدكتور الزهار الذي تكمن أهميته في أنه الوحيد الذي يمتلك جذورا غزاوية حقيقية بين قادة "حماس" في القطاع. الآخرون من قادة "حماس"، بمن فيهم السيد اسماعيل هنية، من سكان القطاع، لكنهم من أصول غير غزاوية. لهذا السبب يستطيع الزهّار بدل السقوط في لعبة التصعيد التفكير مليا في مصلحة أهل غزة حيث المعركة العسكرية خاسرة سلفا.
في استطاعة الزهّار من الناحية العملية، بصفة كونه والد الشهيد، التعالي على المصيبة واستغلال الاتصال الذي أجراه به الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس )أبو مازن) لأعادة النظر في استراتيجية "حماس" والتساؤل ما هي المصلحة الحقيقية للشعب الفلسطيني عموما وأهل غزة في شكل خاص؟ قبل كل شيء، هناك مصلحة في تفادي التصعيد ولملمة الأمور في الداخل بعيدا عن فوضى السلاح. وهناك مصلحة في السير خلف البرنامج السياسي المعتمد من الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض. وهناك مصلحة في التخلص من مجموعة من العقد والأوهام، بما في ذلك أن هناك من العرب وغير العرب من سيفك الحصار عن غزة. لن يفك أحد الحصار عن غزة أذا لم تعد إلى حضن السلطة الوطنية الفلسطينية. أن الحصار قرار دولي. كل من يؤمن بغير ذلك يريد استمرار الحصار واستخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك لا علاقة له بها. على من يريد التأكد من ذلك، سماع السيد خالد مشعل يهدد إسرائيل ويتوعدها من دمشق وكأن دماء الفلسطينيين التي تسيل في غزة دماء شعب آخر.
ان قادة "حماس" الذين في داخل غزة مدعوون إلى وقفة تتسم بالشجاعة من أجل انقاذ القطاع وقطع الطريق على المزايدين. هذه ليست دعوة إلى الاستسلام. كل ما في الأمر أن لا وجود لجندي إسرائيلي على أرض القطاع، أقله اليوم، لا أحد يدري ما الذي يمكن أن يحصل غدا. الخدمة الوحيدة التي لا تزال "حماس" قادرة على أن تؤديها لغزة هي العودة عن الانقلاب الذي نفّذته في حزيران الماضي. في حال لم تفعل ذلك اليوم قبل الغد، عليها تحمل مسؤولية الكارثة الجديدة التي يبدو القطاع مقبلا عليها. وليكن معلوما من الآن أنه لن يصدر عن العرب وعن السلطة الوطنية الفلسطينية سوى بيانات تندد بالاحتلال والوحشية الإسرائيلية. هل تقدم "حماس" على خطوة شجاعة قبل فوات الأوان؟ ربما السؤال الأصح: هل تمتلك "حماس" حرية اتخاذ قرار شجاع بهذا المستوى؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00