غادر الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى بيروت بعدما اكتشف ما كان مفترضا أن يكون اكتشفه في اللحظة نفسها التي صيغ بها البيان الصادر عن المجلس الوزاري العربي الأخير في شأن لبنان. اكتشف أن الخيار الأول والأخير للنظام السوري في لبنان هو الفراغ. الأكيد ان عمرو موسى لم يكن في حاجة الى زيارة بيروت لمعرفة البديهيات، ولكن كان عليه، ربما، التظاهر بأنه لا يعرف... كي يعرف أكثر، أو على الأصح كي يتأكد مما يعرفه. اكتشف عمرو موسى متأخرا، أو باكرا، كيف أن الوضوح يمكن أن يتحول الى غموض في لبنان، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأدوات التابعة للمحور الإيراني ـ السوري لرغبات المحور وتعليماته. كذلك الأمر عندما تتولى أدوات الأدوات من نوع ذلك الجنرال الذي لم يهجّر ما فيه الكفاية من مسيحيي لبنان ومسلميه مهمة الترويج للغموض وللسياسة السورية من أجل حرمان لبنان من رئيس.
كان البيان العربي واضحا كل الوضوح ولا يحتاج الى تفسير من أي نوع كان. هذا على الأقل ما قاله الأمين العام لحظة وصوله الى بيروت. أنه يدعو الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا جديدا للجمهورية في لبنان "فورا" على أن يلي ذلك تشكيل حكومة لا تمتلك فيها المعارضة الثلث المعطل، فيما لا تمتلك الأكثرية أكثرية الثلثين زائدا واحدا التي تمكنها من تمرير أي قرار تريده. الحكومة هي الخطوة الثانية. انتخاب رئيس الجمهورية الذي أسمه ميشال سليمان هو الخطوة الأولى. رئيس الجمهورية الجديد، أي ميشال سليمان هو من يمتلك حق التعطيل عندما يرى أن ذلك في مصلحة البلد. أما الخطوة الثالثة والأخيرة فتتمثل في اقرار الحكومة لقانون جديد للانتخابات النيابية المقررة في السنة 2009 بموجب الأصول والقوانين اللبنانية المعمول بها.
في حال كان يريد أن يخدم لبنان، يفترض في عمرو موسى الذي وصف غير مرة الوضع اللبناني بانه "خطير" عدم إضاعة الوقت. الجريمة واضحة وأبطالها معروفون. أنهم أولئك الذين قتلوا رفيق الحريري والذين يعتقدون الآن أن في استطاعتهم تجاوز الجريمة وإعادة لبنان الى ما كان عليه في عهد الوصاية عندما كان هناك ما يسمى النظام الأمني السوري ـ اللبناني الذي كان يتحكم بكل شاردة وواردة في البلد. أبرز الممثلين الأمنيين للنظام المشترك في السجن الآن، فيما من يرمز إليه خرج لحسن حظ لبنان من قصر بعبدا.
في حال كان عمرو موسى يسعى بالفعل الى إيجاد حل في لبنان، يفترض في العرب، كل العرب مساعدته في ذلك عن طريق تسمية الأشياء بأسمائها. من يرفض انتخاب رئيس للبنان هو المحور الإيراني ـ السوري الذي يعتقد أنه يتحكم بالعراق ويمتلك المبادرة في كل مكان في المنطقة، خصوصا في فلسطين ولبنان.
يفترض في الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يعلن اليوم قبل الغد أن اللعبة الإيرانية ـ السورية القائمة على شراء الوقت لا تنطلي عليه وعلى العرب الآخرين، هذا في حال لم يكن مقتنعا بها والأرجح أنه غير مقتنع. صحيح أن عمرو موسى ليس في موقع القرار، نظرا الى أنه الأمين العام لجامعة الدول العربية فقط وأن عليه تنفيذ القرارات المكلف بتنفيذها من قبل مجلس الجامعة، لكن الصحيح أيضا أن هناك نكتة طالت أكثر مما يجب. النكتة التي طالت هي تلك التي يحاول النظام السوري ترويجها. تقوم النكتة على أنه يتعاون، رسميا، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية في تنفيذ ما اتفق عليه في إطار المجلس الوزاري العربي، فيما يتولى "حزب الله" الإيراني وأدواته المستأجرة، من نوع ميشال عون، وضع العراقيل في طريق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
في الواقع، ما هو مطلوب يتجاوز صلاحيات عمرو موسى، ذلك أن لبنان في حاجة الى رئيس لا أكثر ولا أقل. بعد ذلك، يمكن البحث في الحكومة وفي التفاصيل الأخرى. وكان الرئيس حسني مبارك واضحا في التعبير عن المخاطر التي تواجه الوطن الصغير في حال لم ينتخب الرئيس. ويمكن الذهاب الى أبعد مما ذهب إليه الرئيس المصري والقول أن الأخطار التي تهدد لبنان تهدد العرب أيضا، بل تهدد كل بلد عربي. عندما يقف العرب مع لبنان ومع انتخاب رئيس للبنان، يقفون مع أنفسهم أولا ويقفون ثانيا في مواجهة المحور الإيراني ـ السوري الذي يشكل تهديدا لكل ما هو عربي في المنطقة ولكل ما له علاقة بالعروبة ذات الطابع الحضاري من قريب أو بعيد. هذا محور يراهن على الاستفادة من النعرات المذهبية التي أثارها الإحتلال الأميركي للعراق لا أكثر ولا أقل وعلى توظيف هذه النعرات في مصلحته أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين... أو البحرين أو اليمن!
ما يحصل في المنطقة خطير، بل خطير جدا. هناك محور إيراني ـ سوري يعتقد أن الوقت يعمل لمصلحته وأن الوقت كفيل بإعادة عقارب الساعة الى خلف، أي الى مرحلة ما قبل اغتيال رفيق الحريري. هدف المحور بكل بساطة القول أن شيئا لم يتغير وأن العالم ومعه العرب جربوا طوال ثلاث سنوات استعادة لبنان منه لكنهم فشلوا في ذلك. بالنسبة الى المحور المذكور لبنان ليس سوى "ساحة" يستخدمها لابتزاز الآخرين من عرب وغير عرب.
عندما يعي مجلس جامعة الدول العربية هذا الواقع، يستطيع التفكير مليا في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله من أجل مساعدة لبنان. الباقي تفاصيل. جاء عمرو موسى، ذهب عمرو موسى، عاد عمرو موسى، لم يعد عمرو موسى. ليست تلك المسألة. المسألة هل بين العرب من يستطيع إقناع النظام السوري أن الوقت لا يعمل لمصلحته في لبنان وأن خطأ اغتيال رفيق الحريري في حجم خطأ الاجتياح العراقي للكويت وأن المحكمة الدولية آتية شاء من شاء وأبى من أبى؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.