يبدو أن الهدف من التحرش الإيراني بالقطع الحربية الأميركية في مضيق هرمز تذكير الرئيس بوش الأبن، عشية توجهه الى الشرق الأوسط، بأن هناك قوة عظمى إقليمية لا يمكن تجاهلها في أي شكل، كما لا يمكن تجاهل مصالحها. هذه القوة إسمها إيران. نفوذ إيران يمتد من أفغانستان وإلى ما هو أبعد من أفغانستان، ثم الى موريتانيا في إفريقيا، وما تحت موريتانيا حيث جاليات لبنانية شيعية، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج الغنية بالنفط والغاز طبعاً. الرسالة الإيرانية واضحة كل الوضوح وتتمثل في أن جولة الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط آيلة الى الفشل ما دام يتجاهل القوة الإقليمية الصاعدة. هذه القوة التي تمتلك ميليشيات خاصة بها أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين... إضافة بالطبع الى القدرة على اختراق "القاعدة" واستخدامها لأغراض تصب في خدمة مشروعها الإقليمي. هذه القوة، هي التي يتوجب على الإدارة الأميركية التفاوض معها في شأن مستقبل الشرق الأوسط. من دونها لا استقرار في المنطقة. من دونها لن يتمكن بلد مثل لبنان حتى من انتخاب رئيس له!
كذلك، يبدو أن النظام السوري ليس قادراً على الوقوف مكتوف اليدين عندما يتحرك الرئيس الأميركي في اتجاه الشرق الأوسط. عليه إيصال رسالة فحواها أنه قادر بدوره على زعزعة الاستقرار وأنه ليس تحت سيطرة النظام الإيراني كلياً. أنه يريد القول إن لديه هامشاً للمناورة، حتى في لبنان، حيث يعتمد نفوذه على الأداة الإيرانية المسماة "حزب الله" والآلة الأمنية والعسكرية لهذه الميليشيا التي هي في نهاية المطاف مجرد لواء في "الحرس الثوري" الإيراني.
ما يريد النظام السوري قوله للأميركيين إن لبنان رهينة لديه وأن لا استقرار فيه إذا لم تدخل أميركا في مفاوضات مباشرة مع دمشق تؤمن للأخيرة استعادة الوصاية على لبنان واللبنانيين. ولذلك، ليس صدفة أن تأتي الإطلالة الجديدة لشاكر العبسي رئيس العصابة الإرهابية السورية التي اعتدت على الجيش اللبناني في هذا التوقيت بالذات. وليس صدفة أن يكون هناك إطلاق لصاروخي كاتيوشا من مكان ما في جنوب لبنان في اتجاه إسرائيل، على أن يلي الحادث الغامض بساعات قليلة حادث آخر يساعد في فهم اللغز وحلّه. لا حاجة الى منجم مغربي لمعرفة ما المقصود من الاعتداء على عناصر في القوة الدولية المعززة في جنوب لبنان عند مدخل مدينة صيدا. الهدف إبلاغ الأميركيين والأوروبيين والمجتمع الدولي أن القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن في آب من العام 2006، لا يعني شيئاً ما دام النظام السوري لا يمسك بالأمن في لبنان. لم يقتصر عرض العضلات السوري على لبنان، بل زاد فجأة عدد الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية تأكيداً لمقولة أن "غزة تدار من دمشق". انها المقولة التي يفاخر بها المسؤولون السوريون الذين دعوا مجدداً الى عقد مؤتمر للفصائل الفلسطينية في دمشق قريباً للبحث في الموقف من عملية السلام. يظهر، من خلال الدعوة الى عقد هذا المؤتمر، أن الرهان السوري على تحقيق مكاسب في مؤتمر أنابوليس الذي انعقد أواخر تشرين الثاني الماضي، لم يكن في محله. لم يفاوض الأميركيون السوريين. كل ما كان لديهم قوله لهم إنهم يعرفون تماماً ما الذي عليهم عمله كي يعاد فتح القنوات بين دمشق وواشنطن. إن لائحة المطالب الأميركية لا تزال هي نفسها وستبقى نفسها بعد رحيل جورج بوش الأبن عن البيت الأبيض. إنها تلك التي حملها وزيرالخارجية كولن باول الى الرئيس السوري في ربيع العام 2003 بعيد الاجتياح الأميركي للعراق.
ما نشهده حالياً سلسلة رسائل إيرانية وسورية توجه الى الأميركيين عبر تذكيرهم بمن يتحكم بحرية الملاحة في مياه الخليج، في مضيق هرمز تحديداً، وإثارة اضطرابات في البحرين وتوتير الوضع في لبنان ومنعه من انتخاب رئيس جديد له وتوتير جبهة الجنوب وتهديد القوة الدولية فيه. لا تقتصر الرسائل على لبنان والخليج، بل تشمل فلسطين فيما هناك نوع من التهدئة في العراق. هل يأمل النظامان الإيراني والسوري في ممارسة لعبة شد الحبال مع الولايات المتحدة عن طريق إفهامها أنهما قادران على ممارسة لعبة العصا والجزرة معها؟
من الواضح، أن واشنطن ليست في وضع القادر على التحرك في اتجاه الرد بشكل جدي على الاستراتيجية التي يمارسها المحور الإيراني ـ السوري في وقت ليس معروفاً ما الذي تريده إسرائيل. فالملفت أن الهم الوحيد للدولة العبرية هو المساهمة في كل ما من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة. هل صدفة أن كل ما فعلته هو العمل على إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وضرب البنية التحتية للبنان؟ في النهاية، لا بدّ من أجل محاولة فهم السياسة الإسرائيلية في المنطقة طرح السؤال الآتي: ماذا يضر إسرائيل حين يكون "حزب الله" واجهة الشعب اللبناني وحين تكون "حماس" واجهة الشعب الفلسطيني وحين تلعب إيران دور البعبع لدول الخليج العربية وتشجع في الوقت ذاته كل ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية في المنطقة؟
لا يمكن للنظام الإيراني والسوري تحقيق نجاحات على الصعيد الإقليمي في المدى البعيد. ولكن في انتظار انكشاف لعبتهما، ليكن الله في عون لبنان وفلسطين...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.