لا يمكن الحديث عن علاقة سليمة بين لبنان وسوريا تكون في مصلحة البلدين والشعبين من دون البحث الجدي في نظرة جديدة من دمشق إلى بيروت. ثمة حاجة بكل صراحة إلى شجاعة سورية تقود إلى الإقدام على عملية نقد للذات تخرج دمشق من عقدة بيروت ولبنان ومن عقدة التعاطي بطريقة فوقية مع لبنان واللبنانيين. في أستطاعة النظام السوري العمل من أجل خلاص سوريا والسوريين من العقدة اللبنانية ومن عقدة بيروت تحديداً، ومن أجل الدخول في مرحلة جديدة من الانفتاح على العالمين العربي والأسلامي وعلى المجتمع الدولي وكل ما هو حضاري في العالم. سيسمح ذلك لسوريا بأخذ موقعها الطبيعي في المنطقة بدل البحث المستمر عن أوهام الدور الأقليمي. ثمة حاجة إلى أن تعود سوريا دولة طبيعية لا أكثر ولا أقل بدل أن تكون كما الحال الآن، رجل المنطقة المريض، أي مشكلة عربية واقليمية لا تخدم في نهاية المطاف سوى إسرائيل.
في حال كانت حاجة إلى إعطاء دليل على ذلك، يمكن الإشارة فقط إلى الدور السوري في دعم "حماس" وتوفير ملجأ لقادة هذه الحركة. أين مشكلة إسرائيل في أن تكون "حماس" بمقنعيها الذين يطلقون النار في الهواء لسبب أو من دون سبب واجهة للشعب الفلسطيني؟ وأين مشكلة إسرائيل في أن يكون "حزب الله" المذهبي التابع لإيران أطلالة لبنان على العالم وواجهة الشعب اللبناني. "حزب الله" الذي يكره بيروت كمدينة ويكره كل ما له علاقة بالحضارة والتقدم في أي مجال من المجالات، "حزب الله" الذي يسعى إلى أقامة نظام تابع لإيران في لبنان والذي يستهدف كل ما له علاقة بإقامة أقتصاد لبناني متطور ومنتج لا يكون تحت رحمة هذا الطرف أو ذاك ولا يعتاش من المساعدات الإيرانية والدولا ر "الطاهر"...
يلعب النظام السوري كل الأدوار المطلوبة منه متجاهلا أنه في أزمة عميقة دفعته إلى الإقدام على تلك الأعمال المجنونة التي بدأت بجريمة التمديد للرئيس اللبناني السابق أميل لحود وسلسلة الأغتيالات التي استهدفت التغطية على الجريمة بجرائم أخرى أكبر منها شملت اغتيال رفيق الحريري ورفاقه تنفيذا لرغبة واضحة في التخلص من بيروت. ولما تبين أن جريمة أغتيال الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ليست كافية، جاءت عملية التخلص من رموز لبنانية معينة مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالنهضة اللبنانية، أي بكل ما هو على إرتباط بالثقافة والعروبة الحقيقية والإنفتاح على قضايا المنطقة والعالم والصحافة والديموقراطية والحرية والحياة النيابية والحزبية وحتى التصدي للإرهاب. ولذلك، كانت سلسلة الجرائم التي استهدفت بداية سمير قصير في حزيران 2005 ولم تنته ولن تنتهي في كانون الأول 2007 بأغتيال العميد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني الذي أشرف مباشرة على معركة مخيم نهر البارد التي خاضها الجيش اللبناني مع عصابة شاكر العبسي السورية المرتبطة بالإرهاب.
نفذ النظام السوري كل الأدوار المطلوبة منه للقضاء على بيروت ولبنان. إفتعل بواسطة "حزب الله" حرب صيف العام 2006 والتي كانت نتيجتها تدمير إسرائيل لجزء من البنية التحتية اللبنانية وإعادة البلد ثلاثين عاما إلى خلف. ولما صمدت الحكومة اللبنانية ومعها لبنان واللبنانيون في وجه العدوان الإسرائيلي الشرس، لجأ "حزب الله" وأدواته المستأجرة على رأسها ميشال عون إلى الاعتصام وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الأقتصادية في العاصمة وتهجير أكبر عدد ممكن من اللبنانيين. لم يؤد ذلك إلى النتيجة المرجوة، فأستمرت التفجيرات والاغتيالات من أجل إخضاع لبنان...
ما يجري حاليا من منع سوري ـ إيراني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يندرج في سياق الانقلاب الهادف إلى إخضاع لبنان. من الواضح أن النظام السوري يعتقد أن في أستطاعته إخضاع الوطن الصغير مجددا غير مدرك أن تصدير أزماته إلى لبنان وغير لبنان دليل ضعف وليس دليل قوة. هل من مشهد مضحك أكثر من ذلك الذي يتحدث فيه مسؤول سوري أو إحدى الأدوات اللبنانية للنظام السوري عن إجهاض أميركي للدور الفرنسي وعن اتفاق بين دمشق وباريس على انتخاب رئيس جديد للجمهورية والاتفاق في الوقت ذاته على حكومة "وحدة وطنية"، أي حكومة تأخذ أوامرها من دمشق، وعلى قانون جديد للأنتخابات.
لا يحق لأي لبناني التدخل في كيفية أنتخاب الرئيس السوري وما هي الأسس الديموقراطية جدا المتبعة في الدولة الشقيقة لفرض رئيس الجمهورية بوسائل معروفة. ولكن ألا يحق للبناني العادي الذي يمتلك حداً أدنى من الوطنية والمنطق تذكير المسؤولين السوريين وأدواتهم في لبنان وأدوات الأدوات المسيحية وغير المسيحية بأن طموح الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي هو التوافق التام مع السياسة الأميركية وأن يكون الأبن المدلل للإدارة الأميركية خلافا لما كان عليه جاك شيراك؟ ألا يحق للبناني تذكير أي مسؤول سوري بأن بلده وليس لبنان هو الذي في حاجة إلى حكومة وحدة وطنية وإلى الاستعانة بالسوريين من ذوي الكفاءات وليس بأولئك الذين لا يمتلكون سوى القدرة على المزايدة في الولاء؟
من في حاجة إلى أعتماد فكرة الأنتخابات وليس إلى مجرد قانون جديد للانتخابات هو النظام السوري وليس النظام اللبناني... كيف لا يستحي نظام في حاجة إلى كل أنواع الاصلاحات من المطالبة بإصلاحات خارج حدوده؟ إنها لعبة الهروب المستمر إلى أمام. هذه لعبة يمكن أنت تنجح طويلا، ولكن لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.