8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حماس" وشجاعة الاعتذار!

هناك شيء اسمه منطق اللامنطق تعتمده "حماس" من أجل تبرير الفشل الذي أخذت اليه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديداً. كرست الحركة، التي اعتبرت أن في استطاعتها التخلي عن نصف قرن من النضال العسكري والسياسي الشاق وفتح صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، مبدأ النضال بالشعارات. كأن الشعارات تطعم شعباً وتحرر أرضاً من الاحتلال وتبني دولة...
مع نهاية السنة 2007، أي بعد أيام، تكون مرّت ستة أشهر على استيلاء "حماس" على قطاع غزة وطرد "فتح" والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية منه. لم تحسن الحركة الإسلامية حتى الاستفادة من نقطة القوة الأهم في موقفها والمتمثلة في أنها ربحت الانتخابات التشريعية الأخيرة وأنها وصلت الى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع . لم تستطع "حماس" التوجه الى المجتمع الدولي والدخول في حوار معه بأي وسيلة من الوسائل، على الرغم من أن ليس في الإمكان الشك في شرعيتها. كان في إمكان الحركة توفير الدعم للرئاسة الفلسطينية والتعاون معها من أجل التخلص من الاحتلال في أسرع وقت. كل ما كان عليها عمله هو السعي الى القضاء على فوضى السلاح من جهة والإعلان من جهة أخرى عن الالتزام بكل الاتفاقات التي توصلت اليها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية مع أطراف أخرى. كان عليها أن تتذكر أنها فازت في انتخابات أجريت بفضل اتفاق أوسلو الذي ترفضه وليس بفضل أي شيء آخر. لولا أوسلو لما كانت هناك انتخابات ولما كان هناك مجلس تشريعي فلسطيني ولما انسحبت إسرائيل من بعض المدن والمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية قبل أن تعود الى احتلالها تدريجاً نتيجة القرار الخاطئ القاضي بعسكرة الانتفاضة الذي اتخذه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، أواخر السنة 2000. كانت "حماس" في منتهى البراغماتية عندما خاضت الانتخابات في العام 2005 على أساس اتفاق اوسلو. كان في استطاعتها الاستمرار في البراغماتية الى أن قررت أن تاريخ القضية الفلسطينية يبدأ بها وينتهي بها وأن المهم الآن تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل التفكير في كيفية العمل على التخلص من الاحتلال.
أخطأت "حماس" في كل خطوة أقدمت عليها منذ فوزها في انتخابات المجلس التشريعي. وأخطأت قبل ذلك عندما قدمت أكبر الخدمات التي يمكن تقديمها للاحتلال الإسرائيلي عن طريق شن العمليات الانتحارية التي استخدمها الاحتلال لتبرير إرهابه أمام المجتمع الدولي. ولا تزال "حماس" ترتكب حالياً الخطأ تلو الآخر. الدليل على ذلك تهديدات رئيس مكتبها السياسي السيد خالد مشعل بإعلان انتفاضة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. لا يعرف مشعل أن لا وجود لشيء اسمه انتفاضة من أجل الانتفاضة. نجحت الانتفاضة الأولى التي بدأت في العام 1987 لأن الطفل الفلسطيني واجه بالحجارة المحتل ودباباته أولاً ولأن ياسر عرفات عرف كيف يوظفها سياسياً ثانياً. ولأنه عرف ذلك، نشل نفسه من الحضيض بعدما ارتكب الخطيئة الكبرى بعدم الوقوف مع الكويت وشعبها عندما أقدم صدّام حسين على مغامرته المجنونة صيف العام 1990.
في حال كان هم "حماس" خدمة الشعب الفلسطيني وإخراجه من الوضع الذي هو فيه، أمامها الآن فرصة لا تعوض للخروج من المأزق الذي أوصلت نفسها اليه. عليها في البداية الاعتراف بأنها في مأزق وأنه ليس كافياً مهاجمة العقيد محمد دحلان كي تبرر ما ارتكبته في حق الفلسطينيين الشرفاء الذين قاوموا بالفعل الاحتلال الإسرائيلي. ليس كافياً مهاجمة هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك، أو ذلك القيادي في "فتح" أو ذاك كي تبرر جرائمها في حق الشعب الفلسطيني وأهل غزة. ما هو مطروح أمام "حماس" بكل بساطة، القيام بعملية نقد للذات تتجاوز العروض التي يقدمها رئيس الوزراء المقال السيد اسماعيل هنية للإسرائيليين. ما الفارق بين مفاوضات مباشرة وبين الدعوة التي يطلقها هنية الى الإسرائيليين من أجل البحث في موضوع إطلاق الصواريخ ووقف الاغتيالات؟ إن الصواريخ هدايا من السماء للمحتل الإسرائيلي. الى الآن استفاد الإسرائيليون من الصواريخ. وبكلام أوضح استهلكوا "حماس" وخدماتها الى أبعد حدود. ولكن قد يصل الأمر الى نقطة يصبح فيها تدمير غزة على من فيها مصلحة إسرائيلية. المؤسف أن العالم لن يتحرك في مواجهة الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل. سيقف متفرجاً مرة أخرى. لن يرى سوى بعين واحدة بعدما قدمت "حماس" للعدو المحتل كل ما يحلم به من مبررات لضرب الآمنين من الفلسطينيين بعد تحول غزة الى قاعدة لإطلاق صواريخ من النوع المضحك ـ المبكي.
كل ما تستطيعه "حماس" حالياً هو امتلاك الشجاعة والاعتذار من الشعب الفلسطيني ووضع نفسها في تصرف رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عباس (أبو مازن). إن الرئاسة الفلسطينية طريق الخلاص لـ"حماس" وغزة. إذا لم تفعل ذلك ستنتقل من الفشل الى الكارثة ولن ينفع هنية أو الدكتور محمود الزهار، وزير الخارجية في حكومة "حماس" الذي لم يجد من يتفاوض معه سوى شخصه الكريم، الندم. الآن قبل غد، المطروح خطوة حاسمة تقدم عليها "حماس" تؤكد من خلالها أنها حريصة على الشعب الفلسطيني ومستقبله وقضيته وحريصة على غزة وأهلها. اسم الخطوة الاعتذار والعودة الى كنف السلطة الوطنية والرئاسة الفلسطينية تحديداً. كل ما عدا ذلك، إضاعة للوقت وجريمة في حق الشعب الفلسطيني وآلاف الشهداء الذين سقطوا منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الأول من الشهر الأول من العام 1965. هل تمتلك "حماس" شجاعة الاعتذار؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00