لماذا اغتيل العميد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني؟ هل صحيح أنه انتقام من أصوليين بسبب الدور الذي لعبه في معارك مخيم نهر البارد التي انتهت بانتصار كبير حققه الجيش اللبناني على عصابة "فتح الأسلام" السورية بزعامة شاكر العبسي... أم أن الموضوع مرتبط باستخدام الإسلاميين المتطرفين السنّة مرة أخرى لتغطية جريمة كبيرة على غرار ما حصل في الأيام التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ تشير معظم الدلائل الى أن عملية الاغتيال ليست من صنع هواة وأن الموضوع أكبر بكثير من عملية انتقام من الضابط الكبير وأن لا بد من وضع الجريمة في إطارها الحقيقي أي مستقبل لبنان ومؤسساته وهل في استطاعة الوطن الصغير العيش في غياب نظام الوصاية الذي استمر منذ العام 1976 وتكرس على كل الأراضي اللبنانية في العام 1990؟ تكرس هذا النظام عندما استطاع الجيش السوري من دخول قصر بعبدا ومقر وزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة بفضل المواقف التي اتخذها وقتذاك الجنرال ميشال عون الذي كان على رأس حكومة انتقالية مقيمة في قصر الرئاسة.
يمكن من خلال استهداف هذا الضابط المرموق بالذات والذي كان مرشحا لأن يخلف العماد ميشال سليمان قائدا للجيش في حال انتخاب الأخير رئيسا للجمهورية، السعي الى فهم الجريمة بأبعادها المختلفة. يبدو ممنوعا أولا أن يكون هناك ضباط لبنانيون يتحركون من منطلق أن لبنان بلد مستقل لديه حرية التعاطي مع أي دولة عربية أو أجنبية يختارها، باستثناء إسرائيل طبعا، وذلك بما يخدم مصالحه المباشرة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، سمحت معارك مخيم نهر البارد، التي استمرت أكثر مما يجب بسبب النقص في الأسلحة والمعدات الضرورية لمثل هذا النوع من المعارك، بحصول الجيش على أسلحة وذخائر من جهات عربية على رأسها مصر والأردن ودولة الأمارات ومن جهات أخرى على رأسها الولايات المتحدة. لم يكن في استطاعة الجيش اللبناني التصرف بهذه الطريقة لو كان البلد لا يزال تحت الوصاية بشكل مباشر. كان عليه أن يستعين بسوريا ولا أحد غير سوريا. فعل ذلك بتغطية من الحكومة الشرعية في أثناء معارك نهر البارد. فعل ذلك من دون عقد ومن دون أن يعني حصوله على ذخائر من سوريا أن عليه حصر علاقاته بها. وقد حرص قائد الجيش على شكر دمشق على دعمها الجيش بالذخيرة، ولو في وقت متأخر. كذلك حرص على نفي علاقتها بعصابة شاكر العبسي في الوقت ذاته، علما أن الطفل في السياسة يدرك من أين جاء أفراد العصابة ومن أين أتت أسلحتهم.
لعب الجيش اللبناني دورا أساسيا في الخروج من تحت الوصاية وتأكيد أن لبنان قادر أن يحكم نفسه بنفسه وأن المؤسسة العسكرية ضمانة لكل المؤسسات الأخرى ولجميع اللبنانيين. تصرف الجيش بما يليق بلبنان واللبنانيين وحال دون أي صدام في الشارع إضافة الى أنه وقف موقفا تاريخيا في الرابع عشر من آذار 2005 عندما خرج اللبنانيون، على رأسهم أهل السنة، الى الشارع وأظهروا للعالم أن المطلوب أنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان. وفي كل المراحل الدقيقة التي مر فيها لبنان، وعلى الرغم من الاغتيالات والتفجيرات المتتالية، كان الجيش صمام الأمان وأثبت ذلك بفعالية ليس بعدها فعالية عندما استطاع أثر حرب صيف العام 2006 الإنتشار في الجنوب بعد غياب استمر نحو ثلاثين عاما وذلك بموجب القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن.
في ظل صعود نجم الجيش، بدا وصول ميشال سليمان الى الرئاسة ووجود فرنسوا الحاج على رأس القيادة العسكرية من المحظورات، خصوصا أن عهد الوصاية لم يكن يسمح بذلك في أي شكل. لم يسمح بذلك عندما كان لديه وجود عسكري في لبنان وفي عهد إميل لحود تحديدا. والدليل على ذلك، ليس إميل لحود من اختار ميشال سليمان قائدا للجيش. لن يسمح بذلك الآن بعدما اعتبر نائب الرئيس السوري السيد فاروق الشرع أن سوريا باتت الآن في لبنان في وضع أقوى مما كانت عليه عندما كان لديها وجود عسكري في البلد.
يشكل اغتيال العميد فرنسوا الحاج، بغض النظر عن الجهة التي ارتكبت الجريمة، دليلا على أن النظام السوري يعتبر بعد سنتين وثمانية أشهرعلى سحب قواته من لبنان أن طريق العودة صارت ممهدة وأن في إمكان النواب اللبنانيين انتخاب رئيس جديد، قد يكون ميشال سليمان أو غيره. ولكن ما ليس مسموحا به أن يختار اللبنانيون من سيكون قائد الجيش الجديد ولا رؤساء الأجهزة الأمنية. أوليس هذا معنى ما قاله قبل فترة قصيرة السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" الذي عوض للسوريين، بفضل مسلحيه، عن وجودهم العسكري في لبنان. ألم يقل أن المطلوب قبل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد الإتفاق على من سيكون قائد الجيش الجديد ومن سيكون على رأس الأجهزة الأمنية وكيف ستوزع الحقائب الوزارية؟ نسي ميشال سليمان أن عهد الوصاية يعتبر أنه عاد وأن على الجميع أخذ العلم بذلك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.