8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المطلوب الانتهاء من بيروت... لهذا اغتالوا جبران!

مع مرور سنتين على استشهاد الأخ الحبيب والزميل جبران تويني، يتبين كم أن حجم المؤامرة التي يتعرض لها لبنان كبير. لم يستهدف القتلة المأجورون سوى خيرة اللبنانيين بهدف واضح كل الوضوح هو ألا تقوم للوطن الصغير قيامة. اغتيل جبران لأنه كان يمثل شيئاً. لم يكن جبران مجرد رمز للشباب اللبناني المتمرد الذي لا يقبل أي نوع من أنواع الوصاية على لبنان فحسب، بل كان أيضاً رمزاً لتجدد "النهار" ومشاركتها في معركة الاستقلال بشكل فعال وليس على طريقة "لا هيك ولا هيك". لذلك وقع الاختيار على جبران الذي استطاع بث دم جديد في "النهار" ونقل الصحيفة الأولى في لبنان إلى موقع متقدم ومتميز إن على الصعيد المهني أو على صعيد لعب دور أكبر في مقاومة الظلم والابتزاز الذي يتعرض له اللبنانيون. إنه الظلم والابتزاز الذي يمارسه أولئك الذين يطرحون الشعارات الطنانة ويرفعونها عالياً بغية تغطية الجرائم التي يرتكبها نظام الوصاية الذي لا يزال يعتقد أن في إمكانه العودة إلى لبنان عن طريق نشر البؤس والجهل فيه وتعميمه بالتساوي على اللبنانيين كي لا يكون أمامهم مجال آخر غير الاستسلام أو الهجرة. رفض جبران الاستسلام. اختار المقاومة اختار إحياء الأمل في نفوس الشباب اللبناني كي يتمسك بأرضه ويبقى فيها ولذلك اغتالوه بطريقة تؤكد أن الهدف نسف الأمل... ونسف بيروت.
وقف جبران في مواجهة سياسة تعميم البؤس. آمن بلبنان واللبنانيين، لم يكن مذهبياً. لذلك قتلوه مع رفيقيه. قتلوه قبل كل شيء لأنه من بين أولئك الذين آمنوا ببيروت. آمن ببيروت كفكرة حضارية تجمع بين كل الذين استهدفهم القتلة، بيروت التي وفرت العلم للبنانيين وعدد كبير من العرب المستنيرين. بيروت التي كتب عنها سمير قصير الذي سبق جبران إلى الشهادة في الثاني من حزيران ـ يونيو 2005. كتب سمير عن بيروت الكثير ووضع كتاباً عن تاريخ المدينة ودورها الذي يتجاوز حدود لبنان. ولأنه كان يدرك المعنى العميق لثورة الأرز ومدى تأثيرها على المحيط العربي للبنان امتدت اليه يد الغدر لتنال منه ولتنال من "النهار" أيضاً. بيروت و"النهار" شيء واحد. جبران كان يعرف ذلك جيداً. سمير كان يعرف ذلك وفي العمق أيضاً. لذلك اختار جبران أن تكون "النهار" في وسط بيروت، في المكان الذي يليق بها ويليق ببيروت، في المكان الذي ينطلق منه مستقبل لبنان في اتجاه الازدهار والحرية والانفتاح على العالم من دون عقد. كانت بيروت المزدهرة التي أعاد رفيق الحريري الحياة إليها رهان جبران.
كان رفيق الحريري، ابن صيدا، نائب بيروت، كذلك باسل فليحان الذي استشهد معه. كان جبران تويني نائب بيروت. كتب سمير قصير عن بيروت وعشق جيزيل وبيروت. كان جورج حاوي إبن بتغرين في المتن نتاج بيروت التي صنعت شخصيات عربية قادرة على أن تكون في قلب كل الأحداث الأقليمية، من شمال افريقيا، إلى العراق، مروراً بفلسطين. كان بيار أمين الجميل ابن بكفيا ولكنه كان أيضاً ابن بيروت. جده الشيخ بيار كان نائب بيروت. في بيروت كبرت زعامة آل الجميل وفي بيروت أيقن بيار أمين الجميل معنى الانفتاح على الآخر ومعنى المدينة التي تجمع بدل أن تفرق بين اللبنانيين. الأكيد أن هناك أسباباً أخرى أدت إلى اغتيال بيار أمين الجميل على رأسها دوره في إعادة الحياة إلى حزب الكتائب واستعادته من براثن الأجهزة السورية والتابعين لها إضافة إلى أنه كان شخصية أستثنائية تستهوي الشباب، لكن بيروت كانت المكان الذي علمه السياسة وكيف يتحول الى شخصية وطنية. وكان وليد عيدو نائب بيروت. كان يعرف نبض الشارع البيروتي. ولذلك اغتالوه. وكان أنطوان غانم بطريقة أو بأخرى ابن بيروت أيضاً هو الذي ترعرع بالقرب منها. بيروت جعلت منه شخصية معتدلة وجسراً بين اللبنانيين ولذلك اغتالوه.
بيروت هي المستهدفة. كل الذين اغتيلوا يرمزون بطريقة ما إلى بيروت أو أنهم آمنوا ببيروت أو حتى أعادوا الى المدينة قلبها كما فعل رفيق الحريري. المطلوب الانتقام من بيروت التي ردت الجميل لرفيق الحريري بأحلى ما يمكن لمدينة أن تقدمه، أي بالوفاء. بيروت كانت وفية وستبقى وفية للذين عشقوها وراهنوا عليها والذين صنعتهم بطريقة أو بأخرى وأوصلتهم إلى أن يصبحوا مواطنين من العالم المتحضر البعيد عن كل أنواع التزمت والمذهبية الكريهة. عاجلا أم آجلاً ستلفظ بيروت أولئك الذين ينفذون الفصل الآخر من الاغتيالات عن طريق تعطيل الحياة في وسط المدينة. ما يفعله هؤلاء من أدوات وأدوات للأدوات جزء لا يتجزأ من الجرائم التي أرتكبت في حق اللبنانيين الشرفاء الذين يؤمنون بثقافة الحياة وليس بثقافة الموت التي لا تستهدف سوى تهجير اللبنانيين من وطنهم ونشر البؤس في المدينة على غرار ما كان سائداً قبل إعادة بنائها.
بعد سنتين من استشهاد جبران تويني الذي راهن على بيروت وبعد سنتين وعشرة أشهر على استشهاد رفيق الحريري الذي بنى بيروت مجدداً، بدأت تتضح أهداف المخططين لتلك الجرائم ومنفّذيها. المطلوب الانتهاء من بيروت لا أكثر ولا أقل، وبالتالي من لبنان. المطلوب إعادة بيروت مدينة بائسة فيها خطوط تماس بين اللبنانيين. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن تفسير الاعتصام المستمر في وسط المدينة؟ أوليس الاعتصام، الذي لا يستحي الجنرال ميشال عون من الإعلان عن مشاركته فيه مؤكداً أهمية الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة سبيلاً لإظهار رجولته، سوى دليل على وجود نية لمتابعة مسلسل الجرائم والتفجيرات؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00