8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أنابوليس وصعوبة التعاطي مع اسرائيل

الموضوع ليس موضوع عملية سلام قد تنطلق من انابوليس بمقدار انه يتعلق بطبيعة السلام القابل للتحقق في المنطقة.
أياً تكن نتيجة مؤتمر انابوليس، لا شك ان الفلسطينيين خرجوا منه رابحين، اقله من الناحية المعنوية. للمرة الاولى منذ ما يزيد على سبع سنوات تعود القضية الفلسطينية الى الواجهة. في السنوات القليلة الماضية، خصوصا منذ الاحتلال الاميركي للعراق، تراجعت القضية الفلسطينية في سلم الاولويات على الصعيد الدولي وحتى على الصعيد العربي. لا بدّ من الاعتراف بأن العالم بدا اخيرا منشغلا بقضية دارفور اكثر بكثير مما هو مهتم بالقضية الفلسطينية. وبدا العرب مهتمين بالنزاع المذهبي الذي نجم عن تفكك الدولة في العراق وانعكاساته على دول الجوار، اكثر بكثير من اهتمامهم بالقضية الفلسطينية. وزاد في ابتعاد العرب عن فلسطين الانقلاب الذي نفّذته "حماس" في غزة والذي اكّد ان هم الحركة محصور في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بما يتفق مع طموحات جماعة الاخوان المسلمين بدل العمل الجدي على التخلص من الاحتلال الاسرائيلي. مع انعقاد مؤتمر انابوليس، تعود فلسطين الى الواجهة على الرغم من الجريمة التي ارتكبتها "حماس" في غزة وعلى الرغم من ان الوضع في العراق لا يزال يراوح مكانه، بغض النظر عما يقال عن بدء عودة الامن الى بغداد تدريجا. ربما عاد الامن الى بغداد لأنه لم تعد هناك احياء مختلطة في المدينة. فقد عملت الميليشيات الطائفية من الجانبين كل ما عليها ان تعمله ومارست "التنظيف العرقي" على اكمل وجه بما ادّى الى تهجير السنة من الاحياء الشيعية والشيعة من الاحياء السنية. وصار في الامكان الحديث الان عن بداية عودة للهدوء والاستقرار وعن ان في استطاعة المواطن الخروج من منزله بعد هبوط الليل!.
بغض النظر عما سيؤول اليه الوضع في العراق، كان لافتا في كلمة الرئيس بوش الابن في انابوليس انه وردت فيها كلمة الاحتلال. ان الاحتلال في اساس كل المشاكل في فلسطين. اكتشف الرئيس الاميركي ذلك جاء متأخرا. ولكن ان تأتي الامور متأخرة افضل من الا تأتي ابدا على حد تعبير مثل فرنسي مشهور. الى جانب الايجابية المتمثلة في كلام بوش الابن عن ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي، امتلك الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) ما يكفي من الشجاعة لوضع قضية القدس في الواجهة. لا يستطيع الجانب الفلسطيني التوصل الى تسوية من اي نوع كان من دون صيغة تعيد المسجد الاقصى الى السيادة الفلسطينية او العربية او الاسلامية. ان اي صيغة لا تتضمن ذلك ستعطل التسوية. في حال كانت هناك صيغة معقولة بالنسبة الى القدس، سيكون في استطاعة الجانب الفلسطيني البحث الجدي في موضوع اللاجئين وماذا يعني حق العودة عمليا. هل يعني العودة الى اراضي 1948 ام الى الدولة الفلسطينية المقترحة... ام يمكن ايجاد حل وسط يؤمن عودة عدد محدود من العائلات الى اراضي 1948 تحت لافتة لم الشمل للعائلات، في حين يحصر حق العودة لأي لاجئ فلسطيني في اي مكان في العالم، بأراضي الدولة الفلسطينية.
في كل الاحوال، ان القدس ستلعب دورا رئيسيا بالنسبة الى نجاح مؤتمر انابوليس. في حال حصول تقدم على صعيد القدس، سيكون في الامكان حلحلة مشاكل اخرى كثيرة. وهذا يعني في طبيعة الحال، ان على الجانب الاسرائيلي ان يأخذ في الاعتبار ما تعنيه القدس ليس بالنسبة الى العرب فحسب، بل الى المسلمين في كل انحاء انحاء العالم ايضا.
لم يخسر الجانب الفلسطيني شيئا من ذهابه الى انابوليس. يكفي ان القضية عادت الى الواجهة بعد غياب طويل عنها لأسباب بعضها اقليمي والبعض الاخر عائد الى الوضع الداخلي الفلسطيني. حسنا فعل "أبو مازن" عندما تصرف بطريقة تؤكد ان استيلاء "حماس" على غزة لم تؤثر في القرار الفلسطيني المستقل بل زادت من استقلاله، اضافة الى ان استيلاء "حماس" على القطاع سهل على الرئاسة الفلسطينية التحرك بحرية اكبر بعيدا عن الشعارات الحماسية التي لا تصب سوى في خدمة الاحتلال الاسرائيلي. وبدا الامر كأن ثقلا انزاح عن كتفيها. ولهذا السبب، ربما توجب على الرئاسة الفلسطينية والسلطة عموما توجيه الشكر الى "حماس" لأنها حصرت نفسها في غزة وعزلت نفسها عن القرار السياسي الفلسطيني الذي لم يكن لديها هدف اخر غير شله بالكامل.
إذا كان الرئيس الاميركي تحدث عن انهاء الاحتلال، وإذا كان الرئيس الفلسطيني اشار الى مدى اهمية القدس ودورها المحوري في اي تسوية، فإن كلمة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت تفضح عجزا عن فهم الطبيعة العربية بشكل عام. عندما يتحدث اولمرت عن التطبيع قبل التوصل الى تسوية نهائية مع الجانب الفلسطيني وحتى مع الجانب السوري، فإنه يكشف انه لا يريد ان يتعلم. لو شاء رئيس الوزراء الاسرائيلي ان يتعلم، لكان سأل نفسه لماذا لا تطبيع على الصعيد الشعبي مع مصر والاردن، اي مع الدولتين اللتين وقعتا معاهدتي سلام مع اسرائيل؟، ولكان حصل على الجواب المطلوب. في الواقع، لا وجود لشيء اسمه تطبيع ما دامت اسرائيل مصرة على الاحتلال وما دامت متمسكة بالقدس. الموضوع ليس موضوع عملية سلام قد تنطلق من انابوليس بمقدار ما انه موضوع متعلق بطبيعة السلام الذي يمكن ان يتحقق في المنطقة. نعم ان مؤتمر انابوليس كان مهما بدليل ان النظام السوري اضطر الى المشاركة وترك ادواته في لبنان تندد به. صحيح ان المؤتمر يمثل انجازا كبيرا للفلسطينيين من منطلق انه يثبت ان قضيتهم لم تمت، لكنه يظهر في الوقت ذاته كم من الصعب التعاطي مع اسرائيل ومع اشخاص يريدون من العالم كله تفهم هواجسهم ومراعاتها في حين انهم يرفضون حتى الاعتراف بأنه يمكن ان تكون للآخرين هواجس!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00