8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من فوائد مشاركة لبنان في مؤتمر أنابوليس

لعل أكثر المفارقات تعارضاً مع المنطق ذهاب النظام السوري الى مؤتمر أنابوليس من جهة ودعوة "حزب الله" لبنان الى مقاطعة المؤتمر من جهة أخرى. إن دلت هذه المفارقة على شيء، فإنها تدل مرة أخرى على أن المطلوب أن يكون لبنان "ساحة" يستخدمها النظامان الإيراني والسوري لتحسين شروط التفاوض مع "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الإسرائيلي... على حساب لبنان واللبنانيين. والواقع أنه آن أوان أن يفكر الحزب في مصلحة لبنان أوّلاً بدل أن يظل الوطن الصغير مجرد رهينة يحسّن الآخرون شروطهم التفاوضية على حسابها.
لن يخسر لبنان شيئاً من المشاركة في مؤتمر أنابوليس. على العكس من ذلك، تسمح له مثل هذه المشاركة بطرح قضيته المتمثلة في استعادة مزارع شبعا. من يريد استعادة مزارع شبعا، بدل المتاجرة بها، يذهب الى أنابوليس ويطالب بها وبترسيم الحدود اللبنانية ­ السورية كي لا يبقى كلام النظام السوري عن أن المزارع لبنانية كلام بكلام لا يستهدف سوى التغطية على مخططاته الحقيقية وأطماعه في لبنان.
إن مزارع شبعا لبنانية بالفعل. ولا يوجد شك في لبنانيتها من وجهة نظر لبنان، علماً أنها احتلت في العام 1967 عندما كانت تحت السيطرة السورية، والسؤال لماذا تمتنع بعض الجهات اللبنانية عن قول الحقيقة والتعاطي مع الواقع؟ لماذا لا تقول هذه الجهات إن هناك خيارين أمام النظام السوري، في حال كان يريد بالفعل خدمة لبنان وليس استخدام المزارع لضرب الاستقرار فيه كما فعل في السنوات الأخيرة خصوصاً منذ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000.
ما يفترض في اللبناني الصادق والمدافع حقيقة عن عروبة لبنان وكل ما هو عربي في المنطقة قوله إن في استطاعة النظام السوري الاعتراف، كخيار أوّل، بأنه دخل المزارع عنوة في العام 1956 وأقام مخافر فيها. وخسر المزارع في حرب 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيلي للجولان ما زال مستمراً حتى اليوم من دون أن تحرك دمشق ساكناً، إلا إذا تبين يوماً أن حرب 1973 كانت بالفعل حرب تحرير وليس حرب تحريك. هذا يعني في طبيعة الحال أن المزارع مرتبطة باستعادة سوريا للجولان وأن ما ينطبق على شبعا هو القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تشرين الثاني ­ نوفمبر من العام 1967 وليس القرار الرقم 425 الذي اعتبر مجلس الأمن في بيان رسمي له أن إسرائيل نفّذته في العام 2000.
أما الخيار الآخر أمام اللبنانيين المطالبين بمزارع شبعا والذين يستخدمون المطالبة للمزايدة على الحكومة اللبنانية فقط، فهو يتمثل في دعوة النظام السوري الى ترسيم الحدود فوراً بدل ايجاد تبريرات لامتناعه عن ذلك. من شأن ترسيم الحدود تسهيل مساعي الأمم المتحدة الهادفة الى فصل قضية مزارع شبعا عن قضية الجولان تمهيداً لإعادتها الى لبنان ولكن اليس الفصل بين القضيتين نسفاً لكل الاستراتيجية السورية المبنية على استخدام جنوب لبنان كي يؤكد النظام في دمشق أنه لاعب اقليمي لا يمكن تجاهله بدليل أنه استطاع وضع جبهة جنوب لبنان في تصرف النظام الإيراني؟
ولكن يبقى ما هو أهم من هذا كله، إن ذهاب لبنان الى مؤتمر أنابوليس تكريس لوجود سياسة لبنانية مستقلة ترفض أن تكون تابعة لأحد، سياسة ترسمها وتنفذها حكومة لبنان الشرعية المدافعة عن مصالح اللبنانيين وحقهم في أن يكونوا أحراراً وليس وقوداً في النزاعات الاقليمية.
من حق اللبنانيين الدفاع عن مصالحهم. ما ذنبهم إذا كانت هناك أحزاب لبنانية تريد أن تكون أدوات. ما ذنبهم إذا كان مؤتمر أنابوليس فرصة ليفهم كل من يعنيه الأمر أن حكومة لبنان شرعية وأن الأسرة الدولية تعترف بها وأن مشكلة عدم انتخاب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية، وهي مشكلة، افتعلها النظام السوري سترتد على النظام عاجلاً أم آجلاً، كما سترتد على أدواته وأدوات الأدوات التي تستخدم في تعطيل انتخاب رئيس يليق بلبنان واللبنانيين وليس مجرد قناع يتخفى خلفه موظف من الصغار الصغار في دوائر الرئاسة والأمن السورية.
يبقى أن من الفوائد الأساسية الأخرى لوجود لبنان في أنابوليس أن الوفد الحكومي سيكتشف هل طرأ تغيير على الاستراتيجية السورية التي تريد استخدام المؤتمر من أجل التفاوض مع الأميركيين من أجل العودة الى لبنان بدل التفاوض مع إسرائيل من أجل استعادة الجولان؟ ولذلك، يفترض في الوفد اللبناني اعتماد الحذر الشديد والتنسيق في العمق مع الوفود العربية الأخرى خلال انعقاد مؤتمر أنابوليس وفي المرحلة التي ستليه. يكفي أن النظام السوري ذهب الى أنابوليس بعد منعه لبنان من انتخاب رئيس جديد وليقول للإدارة الأميركية إنه يسيطر على لبنان، وإن لا استقرار في الوطن الصغير من دون عودته اليه بموجب صفقة بين دمشق وواشنطن. مثل هذه الصفقة ستسمح من وجهة نظره بانتخاب رئيس جديد لبنان وتوقف عمليات القتل والتفجير والتخريب في البلد. هل الإدارة الأميركية في هذا الوارد؟ الجواب، إنها على غير استعداد لصفقة جديدة على حساب لبنان من دون أن يعني ذلك في أي شكل أن على اللبنانيين التوقف عن المقاومة بكل أشكالها. والأكيد أن من بين أشكال المقاومة التعجيل في انتخاب رئيس جديد بما يؤكد أن النظام السوري يخطئ مرة أخرى حين يعتقد أن اميل لحود كان آخر رئيس للبنان...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00