8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

في ذكرى بيار أمين الجميّل...

لماذا اغتيل الوزير والنائب الشاب بيار امين الجميّل قبل سنة؟ الجواب ان لا شيء يحصل مصادفة في لبنان. جاء اغتيال بيار امين الجميل من اجل الانتهاء من كل من له معنى او حيثية في لبنان، من كل من يمكن ان يساهم في جعل الشاب اللبناني يتعلق بأرضه ويرفض الهجرة. الهدف واضح كل الوضوح ويتلخص في وجود نية للتخلص من الوطن الصغير وإلحاقه بالمحور الايراني ـ السوري. لهذا السبب اغتيل رفيق الحريري ورفاقه على رأسهم النائب باسل فليحان. اغتيل رفيق الحريري لانه اعاد الحياة الى لبنان. اغتيل رفيق الحريري لانه صاحب مشروع البناء والاعمار والتنمية وإعادة بناء الطبقة المتوسطة في لبنان. اغتيل رفيق الحريري لانه اعاد الحياة الى بيروت اي الى قلب لبنان. حول بيروت الى لؤلؤة المدن القائمة على حوض البحر المتوسط في حين ان المطلوب ان تكون بيروت مجرد مزبلة. الدليل على ذلك الهجمة التي يتعرض لها وسط بيروت الان بطلب مباشر من اركان النظام السوري والرغبة الواضحة في القضاء على كل ما هو حضاري في لبنان وكل ما يمكنه ان يخلق فرص عمل امام اللبنانيين. يمكن تعداد الف سبب وسبب لاغتيال رفيق الحريري. ربما كانت الجريمة الكبرى التي ارتكبها "أبو بهاء" انه اعاد لبنان العربي الى الخريطة الاقليمية ودعم الجامعات بما حال دون اغلاقها وساهم في تعليم عشرات الالاف من الشباب اللبناني من كل الاوساط والفئات والطوائف. اخيرا، اغتيل رفيق الحريري لانه كان يجسد الحلم اللبناني في مستقبل افضل وفي بلد عربي مزدهر ذي مجتمع منتج منفتح على ذاته وعلى العالم...
المطلوب اغتيال فكرة اسمها لبنان السيد الحر المستقل والاحتفاظ بلبنان ـ الساحة كما كان عليه في عهد الوصاية. لذلك تخلص المجرم الاكبر الذي يشرف على عمليات الاغتيال بمساعدة ادواته المحلية من كل من يرمز الى المستقبل ومن كل من هو على تماس مع العالم المتحضر ومع الشباب الواعد والعلم والمعرفة... قتلوا بيار امين الجميل لانه يرمز الى الشاب المتعلق بوطنه والقادر على اعادة الثقة بالوطن وليس فقط لانه نائب في الاكثرية ووزير في الحكومة الشرعية التي يرئسها فؤاد السنيورة. قتلوا بيار امين الجميل لانه اعاد الحياة الى حزب الكتائب وانتزعه مجددا من براثن عملاء الاجهزة السورية.
كان لا بدّ من اغتيال بيار امين الجميل لانه تحول الى ركن من اركان الرابع عشر من اذار، بل الركن المسيحي الابرز في ثورة الارز وفي حكومة الاستقلال الثاني. اغتالوه كي تخلو الساحة امام مسيحيين من نوع اخر على استعداد لان يكونوا ادوات لدى الادوات وللاستيلاء على مقعد نيابي عن طريق الاغتيال... كما حصل في المتن الشمالي. انهم مسيحيون من نوع اخر، من نوع يقبل بقطف ثمار الاغتيال!
في الذكرى الاولى لاستشهاد بيار امين الجميل، يفترض ان نتذكر ان لكل شهيد قصة. اغتيل كل شهيد من الشهداء لانه جزء من لبنان الحضاري. اغتيل سمير قصير لانه يعرف تماما من هو عدو لبنان ولانه حدد العدو بدقة وقال انه عدو لكل ما يمكن ان يعيد الحياة الى سوريا ولكل من يعمل على استعادة فلسطين وزوال الاحتلال وحماية لبنان من شرور اسرائيل وغير اسرائيل. واغتيل جبران تويني لانه كان الصوت الذي ارتفع عندما لم يتجرأ احد على رفع صوته ولانه حول "النهار" منبراً للاحرار... كان من قتل جبران يدرك ان لا مستقبل لـ"النهار" من دونه. و"النهار" في اخر المطاف جزء من بيروت وجزء من دور لبنان.
نعم لكل شهيد قصة. لذلك اغتيل جورج حاوي بصفة كونه رمزا للبنان العربي، في حين ان المطلوب ان يكون لبنان تابعا وأن يسعى كل لبناني الى الحصول على شهادة في العروبة من المتاجرين بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني، اولئك الذين لا يرون في الشعب الفلسطيني سوى وقود في نزاعاتهم مع العرب الاخرين في معارك الابتزاز ولا شيء اخر غير الابتزاز. واغتيل وليد عيدو لانه ابن بيروت، بيروت الصامدة في وجه الهجمة البربرية التي تتعرض لها، ولانه يجسد بيروت الموحدة التي لا خطوط تماس من اي نوع كان فيها. واغتيل انطوان غانم لانه رمز المسيحي المعتدل الذي يلعب دور الجسر بين ابناء الجبل، بين المسيحي والدرزي، والمسيحي والشيعي، والمسيحي والسني. اغتيل انطوان غانم لان المطلوب قطع الجسور بين اللبنانيين وتدمير كل انواع الجسور بين الطوائف والمناطق.
عزاؤنا في ان لبنان لا يزال يقاوم. عاجلاً ام اجلاً ستزول الاقنعة. سيتبين ان الوطن الصغير اقوى بكثير مما يعتقد وذلك لسبب في غاية البساطة يتمثل في ان ثقافة الحياة اقوى من ثقافة الموت. ثقافة الحياة سر قوة لبنان. لا يمكن لثقافة الموت الانتصار على ثقافة الحياة. لا يمكن ان يرضخ لبنان ويستسلم بعدما صمد اربعين عاما، منذ اجباره على توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969، في وجه سياسة مبرمجة تستهدف تحويله "ساحة". لبنان ليس "ساحة". لبنان وطن. لبنان هو رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم. لبنان هو ايضاً كمال جنبلاط وحسن خالد ورياض طه وبشير الجميل ورينيه معوض وعشرات الشهداء الذين قاوموا، كل على طريقته، من اجل انتصار ثقافة الحياة.
في الذكرى الاولى لاستشهاد بيار امين الجميل، لا يمكن الا ان نستعيد ذلك الموقف النبيل للرئيس امين الجميل الذي دعا الى الصلاة وليس الى الانتقام. انه يعرف ان بيار كان الحياة وأنه حي في كل لبناني يؤمن بأن لبنان وطن...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00