من يستمع الى الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله الامين العام لـ"حزب الله" في لبنان يتأكد من ان الفراغ هو مرشح الحزب لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية. لماذا صار الفراغ مرشح الحزب، بل خياره الاول والاخير؟ الجواب ان الحزب، وهو ليس سوى رأس الحربة للمحور الايراني ـ السوري، لا يستطيع ايجاد بديل من اميل لحود في موقع الرئاسة. حتى الجنرال ميشال عون لا يبدو على استعداد للذهاب الى ما ذهب اليه اميل لحود في لعب الادوار المرسومة له. اثبت ميشال عون حتى الان انه لا يستطيع الذهاب الى ابعد من تغطية الجرائم، في حين ان اميل لحود من النوع الذي يصلح لكل الادوار المطلوبة، اي الى ما يتجاوز تغطية الجرائم. ولذلك لم يتردد نصرالله في ان يطلب منه الاقدام على ما اسماه خطوة "انقاذية" قبل تركه قصر بعبدا. ربما لا تزال هناك جريمة ما زالت في حاجة الى تنفيذ تُضم الى سلسلة الجرائم التي بدأت بالتمديد للرئيس الحالي وكان اخرها اغتيال النائب انطوان غانم... السلسة طويلة والظاهر من كلام الامين العام لـ"حزب الله" انها مرشحة لأن تطول اكثر ما دام المطلوب الفراغ ولا شيئ آخر غير الفراغ.. ما دام يستحيل ايجاد شخص في مواصفات اميل لحود.
يبدو لحود مدعوّاً من المحور الايراني ـ السوري للبقاء في قصر بعبدا في اشارة واضحة الى وجود نية مبيتة لدى دمشق وطهران في استكمال الانقلاب الهادف الى جعل لبنان جزءا لا يتجزأ من المحور الاقليمي الذي اقاماه على حساب كل ما هو عربي في المنطقة...
كان كلام حسن نصرالله مفيدا جدا، اقله من زاوية مساعدته في افهام من لم يفهم بعد، ان التمديد لاميل لحود في ايلول من العام 2004 كان بهدف استخدام رئاسة الجمهورية في سياق عملية مبرمجة تستهدف تدجين لبنان والحاقه بالمحور الايراني ـ السوري. لم تكن كل الجرائم التي تلت التمديد بعيدة عن هذا التفكير بما في ذلك جريمة افتعال حرب مع اسرائيل بهدف تمكينها من تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية واعادة البلد ثلاثين عاما الى خلف. وما ينطبق على جريمة حرب صيف العام 2006 التي عادت بالويل على لبنان واللبنانيين وتسببت في تهجير عشرات الالاف من ذوي الخبرات والعقول الى حيث استطاعوا ذلك، ينطبق ايضا على احتلال وسط بيروت والاعتصام فيه استكمالا للعدوان الاسرائيلي. ما لم تفعله اسرائيل خلال عدوان الصيف في حق لبنان واللبنانيين، يستكمله "حزب الله" وأدواته المستأجرة بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في تدجين لبنان وتكريسه "ساحة" للمحور الايراني ـ السوري.
ثمة فائدة اخرى لكلام الامين العام لـ"حزب الله". ازال حسن نصرالله ما بقي من غشاوة في عيون الذين يعتقدون ان النظام السوري على استعداد لتسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للبنان، بمن في ذلك بعض المسؤولين الفرنسيين الذين يبدو انهم في حاجة الى اعادة تذكير ببعض البديهيات المتعلقة بسياسة النظام السوري وسلوكه وعاداته. كل ما في الامر ان النظام في دمشق يعتبر الرئاسة اللبنانية ملكا له وأن رئيس الجمهورية في بعبدا يجب ان يكون موظفا صغيرا يعمل لدى الرئاسة السورية او لدى الاجهزة الامنية التابعة لها. موظف من النوع الذي يعتبر ارسال الجيش اللبناني الى جنوب لبنان خيانة وطنية متى شاء "حزب الله" ودمشق ذلك، ثم عملا وطنيا، متى صار "حزب الله" مضطرا الى قبول الجيش في الجنوب. صار مضطرا لذلك بعدما امنت له الحكومة الشرعية، حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حماية من العدو الاسرائيلي ان عبر النقاط السبع او عبر عملها على صدور القرار الرقم 1701 الذي هو في مصلحة لبنان عموما ومصلحة اهل الجنوب خصوصا.
في النهاية، لم يكن خطاب الامين العام لـ"حزب الله" سوى حلقة اخرى في المسلسل الانقلابي الذي تندرج جريمة اغتيال رفيق الحريري في سياقه. رد اللبنانيون الشرفاء حقّاً على المسلسل. ردوا في الرابع عشر من اذار 2005 ودفعوا دما ثمن وقوفهم في وجه الذين يقفون وراء المسلسل. حموا السرايا الحكومية باجسادهم وأسقطوا الطابور الخامس الذي حاول جر المناطق المسيحية الى فتنة. صمدت تلك المناطق في وجه الادوات المستأجرة وأزلام الازلام الذين اغراهم الدولار الاميركي الطاهر جدا. كذلك صمدت بيروت وصمد الشمال في وجه عصابة شاكر العبسي السورية على الرغم من دفاع حسن نصرالله عنها واعتباره مخيم نهر البارد "خطاً احمر". اليوم قبل غد، هناك حاجة الى رئيس جديد للبنان يخرجه من وضع "الساحة"، اي الوضع الذي يحاول "حزب الله" فرضه بسلاحه الموجه الى صدور اللبنانيين. يريد الحزب بكل بساطة اخذ لبنان رهينة ووضعها في تصرف المحور الايراني ـ السوري على غرار ما فعله بأبناء الطائفة الشيعية الكريمة التي لا يمكن الا ان تنتفض يوما في وجه الظلم الذي تتعرض له.
بانتخاب رئيس جديد للبنان يكون الرد على الامين العام لـ"حزب الله" وعلى الذين يحركونه من دمشق وطهران. بانتخاب رئيس جديد يتأكد للمجتمع الدولي ان لبنان يقاوم وأن لبنان يقف مع نفسه اولا قبل ان يطلب من الاخرين الوقوف معه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.