مسكين النظام السوري. بل مساكين نحن اللبنانيين والسوريين. يقرأ النظام من كتاب قديم عنوانه "فنون الأبتزاز في البحث عن أدوار". شاطر هذا النظام الذي يعتقد أن لا شيء تغير في المنطقة والعالم وأن الأتحاد السوفياتي لم يسقط وأن نيقولاي تشاوشيسكو لا يزال حياً يرزق ولا يزال قادراً على لعب دور الوسيط بين العرب والإسرائيليين في محاولة لإيجاد دور لنفسه، بموافقة الأخ الأكبر في موسكو. أنه نظام سوري يبحث عن دور لم يعد موجوداً. يعتقد أنه لاعب في العراق، ولاعب في فلسطين، ولاعب بين تركيا وأكراد العراق، واللاعب الأول والأخير في لبنان... وحامي المسيحيين في الوطن الصغير، هو الذي صار وجوده الأمني في الوطن الصغير يعتمد على "حزب الله" المذهبي قبل أي شيء آخر. لو كان في دمشق من يفكر فعلاً في ما آل أليه وضع النظام، لكان قارن بين مرحلة منتصف الثمانينات من القرن الماضي والمرحلة الراهنة، خصوصاً منذ خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية في السادس والعشرين من نيسان 2005.
في الماضي، كان النظام السوري يستخدم ممارسات "حزب الله"، بما في ذلك عمليات خطف الأجانب في بيروت، كي يحصل على ضوء أميركي يسمح له بالعودة مجددا إلى العاصمة اللبنانية. عاد الجيش السوري إلى بيروت الغربية أواخر العام 1986 وبداية العام 1987 لضبط "حزب الله". ودشن عودته بصدام مع الحزب أرتدى طابعاً دموياً. من يتذكر ما حصل في ثكنة فتح الله في منطقة البسطا حيث ذبح السوريون العائدون إلى بيروت الغربية ما يزيد على عشرين عنصراً من "حزب الله" لتأكيد أنهم اصحاب الكلمة الأولى والأخيرة في البلد وفي عاصمته تحديداً؟ الآن، في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان، يسدّ "حزب الله" الفراغ الأمني الناجم عن أنتهاء عهد الوصاية والنظام الأمني السوري ـ اللبناني المشترك. بات النفوذ السوري مرتبطاً كلياً برغبات الحزب أو على الأصح بمرجعيته في طهران وقم. كان يفترض في هذه المفارقة أن تكون كافية ليتأكد النظام السوري من أن هذه ليست طريقة لإيجاد دور له في لبنان بعدما أخرجه منه أهل لبنان الشرفاء فعلاً على رأسهم أهل السنة الذين نزلوا إلى الشارع في الرابع عشر من آذار 2005 وفاء لرفيق الحريري شهيد لبنان، كلّ لبنان بكل طوائفه ومذاهبه ومناطقه.
لا يدرك النظام السوري أن هناك فارقاً بين لعب الأدوار من جهة والقدرة على الابتزاز والتخريب والإيذاء من جهة أخرى. لا يدرك بكل بساطة أن القدرة على التخريب وتصدير الإرهاب لم تعد تعني بالضرورة قدرة على افتعال أدوار. الماضي انتهى. هناك جديد في المنطقة والعالم. في حال لم يقتنع بذلك، عليه أن يفكر مليا في أن من أدخله إلى لبنان أخرجه منه. أدخله الأميركيون إلى لبنان لحسابات خاصة بهم كانت تقوم على ضرورة ضبط قوات منظمة التحرير الفلسطينية. هذه المهمة الأميركية التي أخترعها هنري كيسينجر للنظام السوري أنتهت. الأكيد أن خلق منظمات متطرفة من نوع "فتح الاسلام" لن يقدم ولن يؤخر، بمقدار ما أنه سيزيد قناعة المجتمع الدولي بأن لا أمل يرتجى من النظام السوري.
على النظام السوري البحث الآن عن طريقة أخرى للتعايش مع العالم وذلك باعتماد كتاب جديد مبني على فكرة أن تخريب لبنان لن يؤدي إلى ازدهار سوريا وأن العكس هو الصحيح. الواقع شيء والأوهام شيء آخر. هناك رهان سوري على الأوهام من نوع أن كل الأحداث تصب حالياً في مصلحة النظام في دمشق. من بين هذه الأحداث أن عهد جاك شيراك انتهى. هل نيكولا ساركوزي أفضل من شيراك بالنسبة إلى النظام السوري؟ كل ما في الأمر أن الرئيس الفرنسي الجديد أخذ بعض الوقت ليكتشف أن شيراك كان على حق. ما ينطبق على شيراك، ينطبق على بوش الابن. من أخرج السوري من لبنان عسكرياً كان المجتمع الدولي ومن يصرّ على المحكمة الدولية هو المجتمع الدولي على رأسه أميركا. ومن أجل طمأنة النظام السوري أكثر، فأن من سيخلف جورج بوش الأبن سيكون أكثر تشدداً منه تجاه السياسات التي تتبعها دمشق، أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين.
هل في استطاعة النظام السوري التخلي عن الكتاب القديم الذي عفا عنه الزمن، أم يسعى إلى الأستعانة بكتاب جديد على علاقة بما يدور في العالم، كتاب يقول أن نظاما يخاف من ميشال كيلو ليس نظاماً أفضل من نظام تشاوشيسكو أو من نظام كيم جونغ أيل في كوريا الشمالية الذي يأكل مواطنوه جذور الأشجار... ما هذه "المانعة" التي تعتبر الانتصار على لبنان وتخريبه وزرع الفوضى فيه، بمثابة انتصار على إسرائيل؟
يمكن للنظام السوري أن يقتل مزيداً من اللبنانيين مستعيناً بأدواته وبأدوات الأدوات اللاهثة إلى الدولار "الطاهر". لكن عليه أن يبحث عن كتاب جديد بديل من كتاب "فنون الابتزاز في البحث عن أدوار". كتاب يأخذ في الاعتبار أن سوريا دولة مهمة وأن شعبها شعب حي فيه كفاءات كثيرة. حرام إضاعة الموارد السورية في معارك لا تصب في النهاية إلا في مصلحة إسرائيل وفي مصلحة منع الشعبين اللبناني والسوري من الإستفادة حقيقة من الفورة النفطية التي تشهدها المنطقة. لو كان الوضع في لبنان سليماً، كانت سوريا أستفادت خمسين مرة أكثر من الأسثمارات العربية ولكانت تحولت بالفعل إلى نظام "ممانعة" يمتلك دولة مؤسسات فيها تنمية حقيقية... وليس إلى نظام يبحث عن أدوار وهمية لا همّ له سوى إفقار شعبه من أجل إخضاعه أكثر!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.