8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مؤتمر أنابوليس والتشاؤم.. والضعف الأميركي

ليس تشاؤما الأعتقاد بأن مؤتمر أنابوليس، أي مؤتمر السلام الذي دعت إليه الإدارة الأميركية الشهر المقبل أو الشهر الذي بعده لن يؤدي الى نتائج ملموسة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مثل هذا التشاؤم قريب من الواقع إذا أخذنا في الإعتبار أنه في كل المؤتمرات التي انعقدت الى الآن، بدءا من مؤتمر جنيف بعد حرب العام 1973 وصدور القرار الرقم 338 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت هناك دائما حلقة ناقصة. تتمثل الحلقة الناقصة في أن الولايات المتحدة لم تؤد يوما الدور المطلوب منها. لم تؤد الولايات المتحدة هذا الدور حتى عندما كانت الأطراف المعنية بعملية السلام في المنطقة قادرة على اتخاذ قرارات كبيرة، فكيف يمكن أن تؤدي الدور المطلوب عندما يكون المعنيون عاجزين عن اتخاذ قرارات حقيقية؟ ربما كان الجواب عن مثل هذا السؤال أن الولايات المتحدة يمكن أن تستغل فرصة وجود أطراف ضعيفة، أو على الأصح طرفين ضعيفين لتتدخل وتفرض رأيها عليهما... ولكن هل الإدارة الأميركية قوية الى درجة تسمح لها بالإقدام على مثل هذه الخطوة؟ الواضح أنها ليست قوية ما فيه الكفاية بعد تحولها الى الطرف الثالث الضعيف، الى جانب الفلسطينيين والإسرائيليين في المعادلة الشرق أوسطية في ضوء مغامرتها العراقية.
إذا عدنا الى الماضي القريب، أي الى الفترة الممتدة منذ حرب العام 1967 الى اليوم، يتبين أنه كان دائما على الجانب العربي أخذ المبادرة للخروج من حال الجمود التي سمحت لإسرائيل بتكريس احتلالها للأرض وخلق أمر واقع اسمه المستوطنات أو المستعمرات. في العام 1973، لم تسمح حرب تشرين بالخروج من حال الجمود. قبل ذلك، لم تؤد حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر بعد هزيمة حزيران الى نتائج تذكر. لم يحصل شيء مهم إلاّ بعدما وجد أنور السادات أن عليه كسر الحلقة المغلقة على طريقته، فأقدم على مغامرته السياسية التي قادته قبل ثلاثين عاما بالتمام والكمال الى القدس. نجح السادات في استرجاع الأراضي المصرية المحتلة. لم يحسن الفلسطينيون الأستفادة من مبادرته. بالنسبة إليهم كانت شوارع بيروت وأزقتها هي الأهم. كانت جمهورية الفاكهاني بديلا من الدولة الفلسطينية المستقلة. لم يفهم الفلسطينيون في حينه أهمية ألا يستخدمهم أي طرف أقليمي في معارك هم كبش الفداء فيها.
أيا يكن الرأي في ما فعله أنور السادات وفي طريقة تصرفه في مرحلة ما بعد زيارته للقدس وخطابه المشهور أمام الكنيست الذي تحدث فيه عن "سلام الشجعان"، لا يمكن إلا أن نتذكر على الدوام أن الفلسطينيين لم يحققوا أي تقدم يذكر إلا حين تصرفوا بطريقة عقلانية تأخذ في الاعتبار موازين القوى في المنطقة. عاد ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الى فلسطين نتيجة اتفاق أوسلو. شاهد القدس ولو من بعيد وزار تل أبيب ولو ليلا. أقام حرسا خاصا به على أرض فلسطين وتمتع بالسلطة على أرضه وليس على أرض غيره أي في لبنان والأردن...
متى عرضنا ما تحقق فلسطينيا وما لم يتحقق، نجد أن المصلحة الفلسطينية هي في إنجاح مؤتمر أنابوليس... بغض النظر عن الضعف الأميركي والضعف الإسرائيلي والانقسامات داخل حكومة أيهود أولمرت. على الفلسطينيين أخذ المبادرة والقول أنهم يريدون حلاّ وأنهم على استعداد لمخرج بعيدا عن المزايدات وأنهم يقبلون تسويات ذات طابع تاريخي تقود الى تسوية نهائية للصراع. وبكلام أوضح، هناك حلول معقولة ومقبولة لقضية القدس ولجعل القسم الشرقي من المدينة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. وهناك حلول لقضية اللاجئين تتلخص بجعل حق العودة لكل فلسطيني مضمونا، على أن تكون العودة الى الدولة الفلسطينية مع مراعاة الفلسطينيين الذين يمكن أن يشملهم ما يسمى بـ"لم الشمل". هؤلاء يمكن أن يعود عدد محدود منهم الى أراضي العام 1948. أما بالنسبة الى الحدود النهائية للدولة الفلسطينية، فأن أي تعديلات على خط العام 1967 يمكن أن تأخذ في الاعتبار الحاجة الى ممر بين الضفة الغربية وغزة. هذا الممر لم يكن موجودا في العام 1967.
إن السلام مصلحة فلسطينية أولا. عندما يقدم الفلسطينيون ويطرحون حلولا معقولة، يجرّون الإدارة الأميركية الى موقف مختلف. نعم الإدارة الأميركية ضعيفة، لكنها لا يمكن أن تقف مكتوفة في حال أظهر الفريق المفاوض الفلسطيني شجاعة وجرأة وبعد نظر وقدرة على المناورة. وبكلام أوضح، على الفلسطينيين ألا يبقوا أسرى الشعارات. عليهم الاستفادة من وضع "حماس" يدها على غزة، كي يتحرروا من العبء الذي كانت تمثله الحركة على القرار الفلسطيني المستقل.
لعلّ أسوأ ما يمكن أن يحصل للفلسطينيين هو فشل مؤتمر أنابوليس، لا لشيء سوى لأن ذلك سيعني أن الرئاسة الفلسطينية ممثلة بالسيد محمود عبّاس ليست قادرة على التحرك سياسيا. الجمود السياسي قاتل خصوصا في هذه المرحلة التي تبدو فيها المنطقة في مواجهة تحديات من نوع جديد على رأسها الفرز المذهبي الذي تسببت به الحرب الأميركية على العراق... يضاف الى ذلك بالطبع المشروع الإيراني الهادف الى الهيمنة على المنطقة وإخراج العرب من المعادلة الأقليمية.
مرة أخرى، إن الإدارة الأميركية ضعيفة. لكن الإقدام الفلسطيني يمكن أن يساعد واشنطن في تأدية الدور المطلوب منها... بما يسمح بالابتعاد عن التشاؤم ولو قليلا!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00